محمود عثمان - خاص ترك برس

اليوم الخميس الساعة الحادية عشرة صباحا، ستعقد اللجنة المركزية لحزب العدالة والتنمية اجتماعًا خاصًا للبت في من سيكون مرشحًا لرئاسة الحزب. ومن المقرر أن يقوم أربعة من قيادة الحزب بعقد مؤتمر صحفي في الساعة الثانية ظهرًا، يتم من خلاله الإعلان عن اسم المرشح/ المرشحين لرئاسة الحزب الذي سيجري التصويت عليه في المؤتمر الاستثنائي العام الذي سينعقد يوم الأحد القادم، في الثاني والعشرين من الشهر الجاري، وقد بات من شبه المؤكد أن يتم ترشيح شخص واحد لا أكثر، كما جرت العادة من قبل، وللتأكيد على وحدة الحزب وتماسك صفوفه.

مهمة أردوغان الأصعب كانت اختيار خليفته في رئاسة الحزب والحكومة

بعد انتخابه رئيسًا للجمهورية، كانت عملية اختيار الخليفة لقيادة الحزب ورئاسة الحكومة أصعب مهمة واجهها أردوغان ربما في حياته السياسية بأسرها، فمنذ تأسيس حزب العدالة والتنمية وحتى تاريخ استقالة داود أوغلو، لم تظهر على السطح أية أزمة سياسية تتعلق بزعامة الحزب، إذ تم انتخاب أردوغان زعيمًا للحزب أربع مرات متتالية، دون منازع، أو ظهور خلاف أو منافسة بينه وبين أي اسم آخر.

وحتى عندما عقد الحزب مؤتمره العام الخامس، بتاريخ 21 آب/ أغسطس 2015، من أجل انتخاب بديل لأردوغان بعد توليه رئاسة الجمهورية لم يبرز أي خلاف علني.

وبالرغم من ميول أروقة الحزب يومئذ لترشيح عبد الله غل أو بولنت أرينج، إلا أن أردوغان كان مصرًا يومها على بن علي يلدرم، واستمر إصراره حتى التاسع عشر من آب حين تم اقتراح اسم داود أوغلو المفكر السياسي الأكاديمي , فوافق عليه لكنه احتفظ ببن علي يلدرم بديلًا جاهزا.

الحاجة الملحة للتغيير

عندما وقع اختياره على أحمد داود أوغلو، ليكون خلفا لأردوغان في قيادة الحزب والحكومة، كان الشعار يومئذ: "زعيم قوي - رئيس وزراء قوي". لكن مع مرور الأيام، واحتدام الصراع داخل تركيا وخارجها، وخصوصا تطورات الحرب في سورية، والتدخل العسكري الروسي هناك، الذي أعقبه حادثة إسقاط الطائرة الروسية، حيث تحولت إلى معضلة مستعصية، لم تنفع جميع الجهود المبذولة في حلها، أو حتى التقليل من آثارها وتبعاتها.

لقد كشفت حادثة إسقاط الطائرة الروسية عن ثغرات حقيقية في إدارة الدولة التركية، سببها الأساس الثنائية في إدارة السلطة التنفيذية، حيث لا رئيس الجمهورية أردوغان، ولا رئيس الوزراء داود أغلو، كان من أصدر الأوامر بإسقاط الطائرة الروسية، لكنهما اضطرا سوية لتحمل مسؤوليتها!.

فشلت إذا نظرية: "زعيم قوي - رئيس وزراء قوي"، فحان الوقت للتحول إلى نظام سياسي مستقر، يقوده زعيم قوي، ولذلك بات من الضروري التخلص من ازدواجية الرأس في السلطة، وتشتت القرار.

بن علي يلدرم رجل المهمات الصعبة

بعد انتخابه رئيسا لحزب العدالة والتنمية، قام أحمد داود أوغلو بممارسة صلاحياته بإعداد لائحة أسماء أعضاء الأمانة العامة البالغ عددهم 50 عضوا أصيلًا و25 عضوا احتياطيًا، من أجل التصويت عليها في الهيئة العامة للحزب. لكن أردوغان اعترض على لائحة الأسماء، وعندما أصر داود أوغلو على قائمته، أوعز أردوغان إلى 900 من أعضاء الهيئة العامة بطرح اسم بن علي يلدرم مرشحا لرئاسة الحزب. لكن تم الاتفاق يومها بين الطرفين، بأن يتخلى داود أوغلو عن لائحته، وينسحب بن علي يلدرم من الترشح لرئاسة الحزب.

لماذا بن علي يلدرم؟

شكلت مدينة إسطنبول على الدوام نموذجًا مصغرًا عن تركيا، فهي تعكس فسيفساء المجتمع التركي من جهة، كما أن ثقلها البشري وحجمها الاقتصادي يجعلها الأولى في سلم اهتمام السياسيين.

إنه من خلال استقراء سياسة أردوغان في إسطنبول، ابتداء من اختياره رئيس فرع حزب العدالة والتنمية، يمكننا الوصول إلى صفات الشخص التي يفضل أردوغان التعامل معه في الأوقات الحرجة.

من لدن تأسيس حزب العدالة والتنمية عام 2001 وحتى انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 حرص أردوغان على بقاء "عزيز بابوشجو" رئيسا لفرع الحزب في إسطنبول!. ولعل أهم ميزة يتمتع بها الرجل إضافة لكونه محل ثقة أردوغان، أنه يعمل بصمت ولا يظهر على وسائل الإعلام إلا نادرا، وقد حرص خلفه "سليم تمورجو" على اتباع الأسلوب ذاته.

أعتقد أن أردوغان لديه شروط أساسية يجب توفرها في الرئيس الجديد للحزب والحكومة:

الأول: أن يكون محل ثقة لا يرقى إليها الشك.

الثاني: أن يعمل بصمت دون ظهور إعلامي مكثف.

الثالث: أن يركز جهده على إقرار الدستور الجديد، الذي يؤمن الانتقال إلى النظام الجمهوري.

الرابع: ألا يتهاون في تصفية الكيان الموازي، حيث يعتبرها أردوغان حرب وجود مصيرية.

ترد مصادر حزب العدالة والتنمية على سؤال، من مرشحكم لرئاسة الحزب؟ بالقول: "زعيمنا – يقصدون أردوغان – لا يصرح، لكننا نفهم ما يقصد!".

كواليس حزب العدالة والتنمية تكاد تجمع على أن مرشح الحزب الذي سيعلن عن اسمه، هو بن علي يلدرم.

تشكيل الحكومة الجديدة

بعد أن يتم الاعلان عن اسم المرشح لرئاسة الحزب غدا، سيعقد حزب العدالة والتنمية مؤتمره الاستثنائي العام يوم الأحد القادم كما هو معلن سابقًا، حيث سيتم انتخاب رئيس جديد للحزب، ومن المتوقع أن يتم دعوة الرئيس المنتخب إلى القصر الرئاسي مساء يوم الأحد نفسه، حيث سيقوم رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان بتكليفه بتشكيل الحكومة رقم 65 في تاريخ الجمهورية التركية، ومن المرجح أن لا يستغرق تشكيلها وقتا طويلا، حرصًا على الاستقرار السياسي، ولكي لا يتأثر الاقتصاد سلبًا من حالة الغموض، ومن أجل بث رسالة قوية بأن حزب العدالة والتنمية حزب مؤسساتي، تجري الأمور فيه بسلاسة ويسر.

وقد أشارت بعض المصادر السياسية إلى احتمالية أن يتم الانتهاء من تشكيل الحكومة يوم الخميس القادم، حيث تعرض التشكيلة الحكومية الجديدة على البرلمان بأسرع وقت ممكن لنيل الثقة، ثم تبدأ في ممارسة أعمالها بعد ذلك بشكل رسمي.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس