إسماعيل ياشا - العرب القطرية

صادق البرلمان الألماني البوندستاج الخميس الماضي بأغلبية ساحقة، على مشروع قرار يعتبر المزاعم الأرمينية بخصوص أحداث عام 1915 «إبادة جماعية»، لينضم إلى البرلمانات الأوروبية التي سبق أن صادقت على قرارات مماثلة. 

هناك 11 نائبا من أصول تركية في البرلمان الألماني، إلا أن المضحك المبكي أن يصوت كل هؤلاء لصالح مشروع القرار، وأن يأتي الصوت الوحيد الذي أدلي به ضد مشروع القرار من النائبة الألمانية باتينا كودلا، التي تنتمي إلى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي ترأسه حاليا المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وقالت كودلا في موقعها الشخصي على شبكة الإنترنت، إن تقييم الأحداث التاريخية التي حدثت في دول أخرى ليس من مهام البرلمان الفيدرالي الألماني.

إن القرارات التي تتخذها البرلمانات والحكومات في مثل هذه القضايا فسياسية بامتياز وخاضعة للمصالح، لا للحقائق التاريخية ولا المعايير العلمية.

مصادقة البرلمان الألماني على مشروع قرار يعترف بما يسمى «إبادة الأرمن»، تثير علامات استفهام كثيرة حول توقيتها ودلالاتها، لأنها لو كانت قبل سنة -على سبيل المثال- لقيل إنها جاءت بمناسبة مرور مائة عام على تلك الأحداث. ولكن اليوم لا يوجد سبب يدفع البرلمان الألماني لتبني مثل هذا الموقف، غير محاولة الضغط على تركيا والنيل منها. ومن المؤكد أن هذه الخطوة المستفزة لا تخدم أيضا الجهود المبذولة من أجل تحسين العلاقات بين الجارتين تركيا وأرمينيا. 

ألمانيا سجلُّها مليء بمجازر وإبادة جماعية، وهي نفسها تعترف ببعض تلك المجازر، كما أن رئاسة الأركان في الدولة العثمانية خلال أحداث عام 1915 كانت بيد الضباط الألمان، ما يعني أن ألمانيا شاركت مباشرة في تلك الأحداث وتتحمل جزءا من مسؤوليتها. وإن كانت ألمانيا صادقة في كشف الحقائق التاريخية والحكم عليها، فعليها أن تفتح أولا أرشيفها الخاص بتلك الحقبة. 

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تسعى في الآونة الأخيرة لتقريب وجهات النظر بين تركيا والاتحاد الأوروبي في ملف اللاجئين، امتنعت عن حضور جلسة التصويت. وفي تعليقها على قرار البرلمان الألماني، أكدت أن علاقات بلادها مع تركيا تتسم بالاستراتيجية والودية، وأن علاقات البلدين لا يمكن أن تتراجع رغم هذا القرار.

القادة الأتراك كانوا يتغنون دائما بأن الجالية التركية تحتل المركز الأول في قائمة الأجانب المقيمين في ألمانيا ويفتخرون بذلك، إلا أن قرار البرلمان الألماني الأخير أثبت فشل أنقرة فشلا ذريعا في توظيف أكثر من ثلاثة ملايين تركي لتشكيل لوبي تركي قوي، لدرجة أنه لا يوجد في البرلمان الألماني نائب من أصل تركي يرفض مشروع قرار يتهم الأتراك بارتكاب الإبادة الجماعية زورا وبهتانا. 

وفي أول رد على القرار، استدعت أنقرة سفيرها لدى برلين للتشاور حول الخطوات التي ستقدم عليها تركيا، إلا أن المتوقع أن تمر هذه الأزمة مرور الكرام، وتطوى صفحاتها مع عودة السفير التركي بعد أسابيع إلى العاصمة الألمانية.

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس