ترك برس

احتشاد الملايين للاحتفال بالديمقراطية والشهداء، واعتلاء رئيس هيئة الأركان المنصة وإلقائه التحية على الجماهير المحتشدة، ومشاركة جميع الأحزاب السياسية في الحفل، للتأكيد على الوقوف دومًا إلى جانب الديمقراطية والحكم المدني، مؤشرات لم تجتمع سابقًا في صفحات التاريخ التركي وتاريخ الدول الأخرى، كما يشير المحلل السياسي التركي يونس إيمرة، مؤكدًا أن زمن الانقلابات في تركيا قد ولّى وصار مُحالًا مشاهدة انقلاب "ناجح" في تركيا.

يرى إيمرة أن اجتماع الأحزاب السياسية التركية في جبهة واحدة، سيدفع بكل التأكيد الدول الصامتة إلى التحرك لإبداء تأييدها للديمقراطية الفائزة في تركيا، وهو ما سيؤثر إيجابيًا على العلاقات الخارجية لتركيا.

وأضاف إيمرة، الذي كان يعمل رئيسًا لوحدة الكادر الشبابي في إطار حزب الشعب الجمهوري، مبينًا أن الاستقطاب السياسي وصل ذروته قبيل محاولة الانقلاب الفاشلة، ولكن بعد تلك المحاولة التي على الرغم من عكسها بعض الآلام والجراح على تركيا، إلا أنها أعادت اللحمة والوحدة السياسية إلى الأحزاب التي خلنا بأنها لن تتحد بعد المستوى الذي وصلت إليه.

لا شك أن الاستقطاب الذي طرأ بين الأحزاب التركية ساهم بشكل أو بآخر بتشجيع الانقلابيين على استغلاله، ظنًا منهم أن الأحزاب المعارضة ستدعمه حسبما يرى إمرة في مقاله بموقع الجزيرة ترك "الانقلابيون في تركيا، باتوا محكومين بالفشل"، ولكن في تركيا نجحت الأحزاب السياسية التركية في اختبارها مع الديمقراطية، وأظهرت جليًا حجم دعمها الواسع للديمقراطية في تركيا، ولذلك دلالات قوية تخبرنا بأن الانقلابيين لن يحقق أي نجاح في أي محاولة انقلابية أخرى، فخروج الشعب والأحزاب السياسية بالمرصاد للمحاولة الأخيرة سيبقى محفورًا في ذاكرة كل انقلابي يسعى للانقضاض على الإرادة الشعبية.

تم دفن اتحاد الانقلابيين مع السياسيين

في الماضي دعمت بعض الأحزاب السياسية والساسيين الانقلابيين، أو ظلوا صامتين حيال عمليات الانقلاب، ولم يستنكروها ولم يدعوا أنصارهم للخروج لمقارعتها، ولكن الدرس التاريخي الذي استخرجته تركيا من الانقلابات المتتالية، هو أن جميع الأحزاب السياسية تخرج من الانقلابات خاسرة، ولا يخرج بفائدة سوى الثلة التي قامت به، وهذا ما التفتت إليه الأحزاب السياسية في محاولة الانقلاب الأخيرة الفاشلة.

وحسب إمرة، فإن الانقلابي يرى الجميع مجرد وسيلة يستخدمها للوصول إلى هدفه ومن ثم يلقيها. الساسة الأتراك كانوا يدركون ذلك جيدًا، لذلك لم يسقطوا في فخ الانقلابيين.

التلاحم السياسي سيمنع العالم الخارجي عن التخطيط لمحاولة انقلاب جديدة

يشير إيمرة إلى أن الدرس الذي استخرجته تركيا من محاولة الانقلاب الفاشلة، هو أن أي انقلاب عادة ما يكون مدعومًا خارجيًا وبذلك ينجح، ولكن الانقلابيين إن وجدوا من يعترض على انقلابهم ويثبت في وجههم فإنهم ينكصون على أعقابهم خاسرين ولن ينجح الدعم الخارجي في تثبيتهم مهما كان حجمه، والدليل على ذلك موجود في شريط فيلم 15 تموز/ يوليو.

يوضح إيمرة أن إثبات ذلك فعليًا سيحول دون دعم الغرب للانقلابات في تركيا مرة أخرى، لأن خيبة الأمل التي أُصيب بها ستجعله يوقن بأن الديمقراطية ليس خاصة بالغرب فقط، كما يظن، وستجبره على الابتعاد عن دعم أي محاولة انقلاب في تركيا، مبينًا أن الغرب الذي اعتاد على تغيير مسار القرارات السياسية في تركيا، من خلال الانقلابات العسكرية، سيتجه مضطرًا لاتباع نهج الدبلوماسية السياسية أمام دولة تُحمى ديمقراطيتها من قبل الشعب.

الوعي له دوره الكبير

يلمح إيمرة في مقاله إلى أن المواطن التركي يعلم جيدًا أن الزمرة العسكرية المنقلبة لا تقوم إلا بخدمة الغرب عقب كل انقلاب تقوم به، ويعلم أن تدهور المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية أمر لا بد منه بعد كل انقلاب، لذا فإن إدراكهم لتلك الأمور التي حُفرت في أذهانهم عبر وسائل الإعلام وتواتر قصص الأجداد وغيرها الكثير من الوسائل، ساهم بزجهم نحو مقاومة الدبابة.

وكنتيجة، يخلص إيمرة إلى أن المجتمع التركي مجتمع فسيفسائي يحوي الكثير من الأطياف السياسية والقومية، وللإبقاء على عرى المجتمع قوية أمام أي إعصار داخلي أو خارجي، لا بد للأحزاب السياسية أن تكون في حالة اتصال وتفاعل مستمرة، فالساسة وُضعوا لتقريب وجهات النظر وليس لتبعيدها، على حد وصفه.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!