سعيد الحاج - عربي21

نقلت وكالة الأنباء السورية "سانا" عن وزارة الدفاع أن العاصمة دمشق تعرضت لهجوم بصارخين اثنين من طراز "كاتيوشا" يوم الجمعة الفائت. وذكر الخبر أن الصاروخين أُطلقا من أطراف المدينة باتجاه الأحياء السكنية في منطقة المزّة ومحيطها، ما أسفر عن إصابة عدد من المدنيين.

وقالت وزارة الدفاع إنها تعمل على "جمع الأدلة اللازمة وتحديد مسار الصواريخ ومصادر الإطلاق"، قبل أن تؤكد وصولها لمكان إطلاق الصاروخين وعملها على كشف باقي ملابسات الهجوم.

وبالنظر إلى طريقة الهجوم، وفي غياب كامل التفاصيل، يمكن القول إن معنى الرسالة أكثر حضورا من معنى الاستهداف والضرر المباشر، أي أن استهداف العاصمة وإطلاق صواريخ داخلها يشمل انتهاك السيادة من جهة، وتأكيد الثغرات الأمنية التي يمكنها إتاحة تكرر الاستهداف من جهة أخرى.

التوقيت والسياق من أكثر ما يُعتمد عليه في مسعى تحديد الأطراف المتورطة في أي اعتداء عادة، ولذلك تبرز زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع للولايات المتحدة كالسياق الأبرز في فك شفرات الهجوم. بمعنى آخر، فالأطراف المتضررة و/أو المستاءة من الزيارة وما تخللها هي "المشتبه بهم المعتادون"، ويضاف لها أعداء و/أو خصوم القيادة السورية بشكل عام بطبيعة الحال.

فماذا حصل في الزيارة؟ ومن استاء أو تضرر منها؟

كانت الزيارة هي الأولى من نوعها منذ عقود، وشملت لقاء مباشرا مع الرئيس ترامب، ووعودا برفع العقوبات (لم تصل بعد للتنفيذ الفعلي الكامل)، وجدول أعمال على رأسه نقاش انضمام سوريا للتحالف الدولي ضد "داعش"، واجتماعا ثلاثيا ضم وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة وسوريا وتركيا "لمتابعة تنفيذ ما اتُفق عليه" بين ترامب والشرع.

أعطى ذلك إشارات على تفاهمات محتملة بين الدولتين -ومعهما تركيا- بخصوص ثلاثة ملفات؛ "إسرائيل" و"داعش" وقوات سوريا الديمقراطية "قسد".

تمثِّل "إسرائيل" التهديد الأكبر والعدو الأخطر لسوريا منذ سقوط نظام الأسد قبل 11 شهرا، بكل ما أقدمت عليه ميدانيا من قصف وتوسيع احتلال وقتل واعتقال وتثبيت نقاط عسكرية، فضلا عن التدخل بشكل سلبي وخطير في الشؤون الداخلية السورية وتحديدا ما يتعلق بالأقليات، مع تصريحات مباشرة تدعو لتقسيم سوريا، كما أن المفاوضات مع سوريا لم تصل لاتفاق أمني بسبب رفع "إسرائيل" لسقف المطالب والاشتراطات ومن ضمنها "ممر إنساني" نحو السويداء.

يضاف لكل ما سبق أن الأوساط السياسية والإعلامية في تل أبيب عبّرت بشكل واضح عن قلقها من زيارة الشرع (الذي ما زالت تسميه "الجولاني" وتصفه بالإرهابي)، ومن أن تشكل منعطفا في العلاقات السورية- الأمريكية في غير صالحها. ولذلك تأتي دولة الاحتلال في مقدمة المشتبه بهم خلف الاعتداء، ورسالة الضغط والتهديد المقصودة منه أوضح ما تكون في هذه الحالة.

بشكل مشابه، تبرز "قسد" كمشتبه به محتمل في الوقوف خلف الهجوم، بالنظر لتلكئها في تنفيذ اتفاق آذار/مارس الفائت مع الرئاسة السورية (والذي سقفه الزمني نهاية العام الجاري)، والتي تتوجس أيضا من الاجتماع الثلاثي في واشنطن الذي يُفترض أنها أحد أهم ملفاته، حيث ترى أن تغيير الإدارة الأمريكية موقفها لصالح رؤية دمشق وأنقرة خطر وجودي على مشروعها.

وأخيرا، فإن فكرة انضمام سوريا للتحالف الدولي ضد "داعش"، سواء تم أم ما زال في طور النقاش والتفكير، يشكّل قرينة كافية لوضع التنظيم في مقدمة الأطراف المشتبه بها، خصوصا وأن السنوات الفائتة شهدت مواجهات بينه وبين هيئة تحرير الشام والفصائل الأخرى.

يضاف للأطراف سالفة الذكر -"إسرائيل" و"قسد" و"داعش"- خصوم التجربة السورية الجديدة وفقا لتعبير وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى، والذي يحيل ضمنا فيما يبدو إلى إيران أو أطراف مرتبطة بها، بالنظر لتحالفها مع النظام السابق.

بيد أن الأقل تداولا، بل غير المتداول، أن هناك مشتبها بهم آخرين، "غير معتادين"، ينبغي وضعهم في إطار الاشتباه وبالتالي البحث والتمحيص والتحقيق. وسبب غيابهم عن قائمة الاتهام المحتمل هو أنهم يصنفون ضمن "أصدقاء" سوريا الجديدة على الساحتين الإقليمية والدولية.

لماذا نقول ذلك؟ لأن الدول والأنظمة التي كانت تسعى لإعادة تأهيل نظام الأسد وطالما وَصَمَتْ الرئيس السوري وهيئة تحرير الشام بالإرهاب، بل ظلت على هذه التسمية والسياسة حتى خلال عملية "ردع العدوان"، فضلا عن الولايات المتحدة التي كانت قد وضعت جائزة 10 ملايين دولار على رأس الشرع (الجولاني سابقا)، لم تصبح بين يوم وليلة في صفوف "أصدقاء سوريا" ولا حلفاء الشرع. سيكون من السذاجة أن نرى ما حصل ويحصل حتى اللحظة اصطفافا بهدف الدعم وليس سياسة تسعى للاحتواء.

فلقاء ترامب مع الشرع في الرياض كان تضمن "طلبات" أو "نداءات" من الأول للثاني، أميلُ لعدِّها شروطا لما أسماه ترامب نفسه "منح فرصة" ورفع العقوبات، ومن بينها التطبيع مع "إسرائيل" ومحاربة الإرهاب، طبعا وفق الرؤية الأمريكية. شيء من هذا القبيل ردده المبعوث الأمريكي لسوريا توم باراك حين قال، بعد لقاء الشرع بترامب، إن سوريا سوف تشارك مع الولايات المتحدة في محاربة أطراف ذكر من بينها "داعش" وحزب الله وكذلك حركة حماس الفلسطينية.

كما أن مسار التفاوض بين سوريا و"إسرائيل" لم يفض حتى اللحظة إلى اتفاق أو تفاهم ما، بسبب ما يبدو أنه رفض سوري لبعض الاشتراطات والمطالب "الإسرائيلية"، فضلا عن أن الشرع كرر رفضا ضمنيا لانخراط بلاده في "الاتفاقات الإبراهيمية"، تاركا موضوع التطبيع مع "إسرائيل" لمرحلة "ما بعد الجولان".

بمعنى أن سوريا الجديدة، ورغم لغة الانفتاح وخطاب الطمأنة وأولوية الاقتصاد والبناء، ورغم المرونة الكبيرة التي أبدتها في كثير من الملفات الداخلية والخارجية، لم تصل بعد للمرحلة التي تريدها -أو تشترطها- واشنطن وبعض العواصم المرتبطة بها في المنطقة. فتكون فرضية الرسالة من خلال الهجوم الأخير لمزيد من الضغط بهدف الحصول على المزيد من التنازلات و"الالتزام" بالخط المطلوب أمريكيا؛ فرضية منطقية ولا ينبغي استبعادها، خصوصا وأن "رفع العقوبات" ليس قرارا أمريكيا في طور التنفيذ، وإنما أداة ابتزاز مستمرة بوجه دمشق المطالَبة بالتزامات واستحقاقات.

لا يعني هذا أن السيناريو الأخير هو الأعلى احتمالا، بل لعله الأقل مقارنة بكل من "إسرائيل" و"قسد" و"داعش"، وحتى "خصوم سوريا"، لكنه احتمال ينبغي وضعه على الطاولة وفي الذهن لدى صانع القرار وكذلك لدى النخبة السورية الجديدة، حتى يبنى على الشيء مقتضاه بغض النظر عن اللغة الدبلوماسية وإكراهات السياسة.

عن الكاتب

سعيد الحاج

باحث في الشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس