محمد زاهد جول - أخبار تركيا

يمثل الصراع والاقتتال الداخلي بين أبناء الشعب الكردي في تركيا وألمانيا وقد ينتقل إلى غيرها في الأيام القادمة خطورة كبيرة على تركيا والأكراد والعرب أيضاً، ومرد هذا الاقتتال الكردي بين مقاتلي حزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطي وحزب الهدى الكردي التركي وغيرهم مرده إلى الاختلاف في الموقف من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وبسبب الاختلاف الكردي بفهم حقيقة موقف الحكومة التركية من سقوط مدينة العرب – كوباني، بداية التوترات نشأت عندما هدد رئيس حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان من سجنه في جزيرة إمرلي في تركيا بأنه سوف يوقف مباحثات السلام مع الحكومة التركية إذا لم تقم الحكومة التركية بحماية مدينة عين العرب كوباني وحمايتها من السقوط، وقد تبعه تصريح من زعيم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي طالب فيه الأكراد في التظاهر في كل المدن التركية لمطالبة الحكومة التركية منع سقوط عين العرب بيد تنظيم داعش، بينما كانت تصريحات صالح مسلم زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري ضد تدخل قوات تركية إلى الأراضي السورية ولو بحجة حماية عين العرب كوباني، لأن صالح مسلم يقف إلى جانب بشار الأسد في حربه ضد الشعب السوري.

هذه البداية تدل على تناقض المواقف الكردية من الموقف التركي بخصوص موقفها من دخول التحالف الدولي ضد داعش، وكذلك موقفها في الإمكانيات التي يمكن أن تقوم بها لحماية عين العرب كوباني، فالموقف الذي يطالب فيه عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني الحكومة التركية منع سقوط كوباني ويهدد بقطع مباحثات السلام الداخلي، يدل على أن أوجلان بدأ يفقد قدراته السياسية الواعية، وأخذ يطلب من الحكومة التركية القيام بأعمال غير قانونية تحت طائلة التهديد، لأن الحكومة التي إذا أرادت أن تمنع سقوط عين العرب كوباني بيد داعش فعليها أن تتجاوز الحدود الدولية بين تركيا وسوريا، وهو ما رفضته الحكومة التركية منذ 2011، لأنها غير مطالبة دولياً أن تقوم بدور الأمم المتحدة ومجلس الأمن لمساعدة الشعب السوري أو الشعب الكردي في سوريا جراء المجازر التي تعرض لها من جيش الأسد وميليشياته الطائفية اللبنانية والإيرانية والعراقية وغيرها، فتركيا غير مطالبة ولا تستطيع القيام بذلك بدل المجتمع الدولي، بل وحتى لا تستطيع ذلك لحماية الشعب التركماني في سوريا طالما هم يحملون الجنسية السورية، فالأمر ليس متعلق بنوع القومية وإنما بدخول أراضي دولة أخرى مخالفة بذلك القانون الدولي، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وبذلك فإن كل من يطالب تركيا بالتدخل عسكرياً في الأراضي السورية إما أنه يجهل القانون الدولي، أو يريد توريط تركيا في حروب إقليمية مع إيران والدول العربية ومع دول عديدة عالمياً بداية من روسيا والصين، وغير مستبعد أن تصطف أمريكا نفسها ضد التدخل التركي في سوريا، وكذلك الدولة الإسرائيلية، فهل تخضع الدولة التركية لمن يفرض عليها سلوكها السياسي أو العسكري؟

والدليل على ذلك أن مجرد إصدار البرلمان التركي تفويضاً للتدخل العسكري في العراق وسوريا عند الضرورة التي تهدد الأمن القومي التركي، إذا بالحكومة الإيرانية تصدر المذكرات للحكومة التركية بأنها تفاقم الوضع بالمنطقة وتطالبها بعدم التدخل في سوريا بحجة محاربة الارهاب أو محاربة داعش أو منع سقوط عين العرب – كوباني تحت طائلة الاعتداء على سوريا والعراق، وكلاهما يرتبط مع إيران بمعاهدة دفاع عسكري مشترك، بل وفي نفس الوقت تعرض الحكومة الإيرانية على حكومة الأسد المساعدة العسكرية لحماية عين العرب – كوباني، أي أن إيران تعرض الدخول العسكري إلى سوريا في حالة مطالبة الحكومة السورية الأسدية تلك المساعدة من الحكومة الإيرانية، وهو ما يمكن أن يحصل بالفعل، فتدخل إيران في محاربة داعش في شمال سوريا بحجة حماية عين العرب – كوباني، وبطريقة قانونية شكلية، باعتبار أن الحكومة السورية هي الحكومة الشرعية في سوريا وأنها هي التي طالبت إيران مساعدتها العسكرية في مكافحة تنظيم داعش في داخل سوريا.

كل ذلك يؤكد أن المطالب الكردية من الحكومة التركية أن تتدخل بمفردها لمنع سقوط عين العرب غير مدركة سياسياً لمخاطر هذه العملية العسكرية – فيما لو حصلت – غير محقة، فهي مخالفة للقانون، ليس لأن الحكومة السورية الأسدية حكومة شرعية ولم تطلب من تركيا ذلك، وإنما لأن الحدود التركية السورية هي حدود دولية أولاً، ولا يحق للحكومة التركية أن تقوم بما يتوجب على مجلس الأمن القيام به، أو بما يتوجب على التحالف الدولي الذي يقوم بغارات جوية على سورية والعراق منذ أكثر من شهرين، فالسيادة السورية منتهكة من قبل التحالف الدولي، فلماذا لا تقوم أمريكا بقيادة التحالف الدولي لمنع سقوط عين العرب – كوباني، بل إن امريكا أثبتت بتصريحاتها العسكرية والسياسية يوم الأربعاء 8/10/2014، أي أن الإدارة الأمريكية العسكرية والسياسية غير مكترثة بسقوط عين العرب – كوباني، ولم تعامل أكراد سوريا في عين العرب مثل أكراد العراق في أربيل، فالتصريحات الأمريكية تقول: إن أمريكا غير قلقة من سقوط عين العرب – كوباني، وأن الاستراتيجية الأمريكية ليست حماية المدن وإنما ضرب البنى التحتية لتنظيم الدولة داعش، وتعطيل قدرته على الحركة والتمدد، فأمريكا فرطت في منع سقوط عين العرب كوباني، وكانت وحدها تستطيع حمايتها ولكنها أرادت سقوطها عسكرياً ضمن الاستراتيجية الأمريكية المجهولة أو المتناقضة، وبالتالي فإن الأخوة الأكراد وقعوا ضحية الاستراتيجية الأمريكية التي تريد إسقاط عين العرب – كوباني بيد داعش، وهذا ضمن الاستراتيجية الأمريكية التي تعمل على تمديد الحرب مع داعش لسنوات أقلها في نظر الاستراتيجية الأمريكية ثلاث سنوات.

وردود الأفعال التي صدرت من الأحزاب الكردية في تركيا وسوريا وألمانيا وغيرها، وأدت إلى الاقتتال الدامي بينها دليل على أن هذه الأحزاب الكردية وقعت ضحية التفريط الأمريكي بمدينة عين العرب – كوباني، ضمن الرؤية الاستراتيجية الأمريكية وليس تقصيراً من الحكومة التركية أولاً، ولن تستطيع إيران أن تنقذ عين العرب – كوباني ثانياً، لأن امريكا لن تسمح للجيش الإيراني ولا لكتائب الحرس الثوري القتال على حدود عين العرب – كوباني، إلا إذا كان ذلك ضمن مخططها في توريط إيران في حرب استنزاف جديدة في شمال سوريا، لتكون أكثر خضوعاً للشروط الغربية في ملفها النووي، فالقيادة الإيرانية تورط نفسها في ملفات المنطقة العربية أكثر مما تحتمل، وأكثر مما يقبل منها على مستوى الدول والشعوب العربية، وكذلك بدرجة تجعل كل القوميات الإسلامية كارهة لدورها الطائفي وطموحات التوسع السياسي بما يوتر العالم الإسلامي ويدخله في الحروب الأهلية والقتال والتدمير مثل سوريا والعراق ولبنان واليمن وغيرها.

إن كل القتلى الذين وقعوا في تركيا في الأيام الماضية هي من الأخوة الأكراد، فهم القتلة وهم الضحايا، وكأنهم في عملية انتحار ذاتي غير واعٍ على المكائد الدولية التي لا تعير للشعب الكردي أهمية ولا قيمة إنسانية، وبالأخص أكراد سوريا الذين لا نفط لديهم مثل أكراد العراق، ولا يزال القتال القائم في المدن التركية أغلبه بين الطوائف الكردية، والبداية كانت من قيام عناصر حزب العمال الكردستاني بمهاجمة عناصر حزب الهدى (حزب الله) الكردي السني المتشدد على حين غرة مما أوقع فيهم قتلى، وبردود أفعال حرض عليها زعيم حزب الشعوب الديمقراطي أدت إلى حرق العديد من المداس ووسائل النقل العامة، وهذه مخالفات قانونية وتحت طائلة المسؤولية القانونية والقضاء التركي مستقبلاً.

إن التفريط الأمريكي لم يتوقف حول عدم بذل أمريكا ما يحول دون سقوط عين العرب – كوباني فقط، وإنما وقع حول موقفه من المنطقة العازلة أو الآمنة التي تشترطها تركيا قبل المشاركة في عمليات التحالف ضد داعش، فكيري وزير الخارجية الأمريكية قال بأن المنطقة العازلة فكرة جديرة بالنظر، ولكن البنتاغون رفض فكرة كيري وأصدر بياناً وقال بأن المنطقة العازلة ليست على طاولة البحث حالياً كخيار عسكري، ما جعل وزارة الخارجية الأمريكية تصدر بيانا لاحقاً تخالف فيه رأي كيري، قالت فيه إن المنطقة العازلة غير مطروحة حتى الآن، وهذا يعني ان امريكا لن توافق على المنطقة العازلة، وبالتالي فلن توافق على المقترح أو الشرط التركي، هذا دليل على ان الموقف الأمريكي متناقض وانه يسير في حربه على داعش مثل لاعب الشطرنج، فالاستراتيجية الشاملة غير موجودة لديها وإنما تمارس سياسة ردود الأفعال، وتوسيع رقعة الاضطراب وعدم الاستقرار في المنطقة، وتبحث عن دول مراهقة تريد المشاركة في الحرب لمجرد المشاركة فقط، والحكومة التركية أجدر بان لا تسير في مراهقة سياسية ولا عسكرية.

لقد شاهدت الحكومة التركية ردود أفعال الأكراد وهي أي الحكومة التركية لم تدخل في عمليات عسكرية ولو ضمن التحالف الدولي ضد داعش، فكيف يمكن أن تكون ردود الأفعال لو قامت بأي عمل عسكري يسقط فيها ضحايا من الأكراد، فالأمر لن يفسر على النحو الذي ينظر فيها إلى قوات التحالف الأمريكية او الفرنسية أو الكندية او الاسترالية، بل سوف يفسر بالصراع التاريخي بين حزب العمال الكردستاني الارهابي والحكومات التركية السابقة، وهو ما عملت حكومة العدالة والتنمية إلى طيه وفتح صفحة جديدة لكل أبناء الشعب التركي، فالحكومة التركية تتطلع إلى نجاح العملية السلمية الداخلية أولاً، وتتطلع إلى تحكيم الوعي الكردي والتعاون معه، وعدم الانخراط في حروب بين الأكراد أنفسهم، ولا بين أبناء القوميات الإقليمية التركية والكردية والإيرانية والعربية.

عن الكاتب

محمد زاهد جول

كاتب وباحث تركي مهتم بالسياسة التركية والعربية والحركات الإسلامية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس