إسماعيل ياشا - أخبار تركيا

انتهى يوم الأحد الماضي  فصل من فصول المعركة الطويلة التي تدور بين الحكومة التركية وجماعة كولن، بهزيمة مدوية للأخيرة، وفقد الكيان الموازي التابع للجماعة سيطرته على القضاء مع إعلان نتائج انتخابات المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين.

كان السباق بين مرشحي “تجمع الوحدة في القضاء” الذي تدعمه الحكومة ومرشحي جماعة كولن، وكان على التجمع أن يحصل على الأقل على خمسة مقاعد من أصل عشرة مقاعد لقضاة عدليين وإداريين لكسر سيطرة الجماعة على القضاء إلا أنه تجاوز هذا العدد ليفوز بثمانية مقاعد في مقابل فوز مرشحَيْنِ محسوبَيْنِ على الجماعة.

قائمة “تجمع الوحدة في القضاء” كانت تتكون من المرشحين المنتمين للتيارات المختلفة ولم يكن جميع المرشحين مقربين من الحكومة. والفائزون ضمن قائمة التجمع ثمانية: ثلاثة من المحسوبين على الحركة القومية وواحد من الديمقراطيين الاشتراكيين وآخر من الطائفة العلوية وثلاثة من المقربين من الحكومة.

وهنا يطرح سؤال نفسه: “ما الذي جمع كل هؤلاء في قائمة واحدة ضد قائمة جماعة كولن؟”. الجواب يكمن في أنانية الجماعة وطبيعة تغلغلها في أجهزة الدولة، لأنها كانت تعمل لإقصاء الآخرين عن المناصب في أجهزة الأمن والاستخبارات والقضاء وغيرها حتى تفتح الطريق أمام سيطرة رجالها بأي وسيلة كانت، الأمر الذي أدَّى إلى أن يطال أذاها إلى الجميع بلا استثناء.

لا يمكن الحديث حتى الآن عن الانتهاء من عملية تطهير أجهزة الدولة من خلايا الكيان الموازي، لأن العملية مقيدة بالدستور والقوانين، وبالتالي كانت تسير ببطء بسبب عرقلة القضاة المنتمين للجماعة محاسبة المتورطين في أنشطة غير قانونية لصالح الكيان الموازي. ولكن المتوقع أن تسرع الحكومة خطواتها بعد هذه الانتخابات وأن يفتح المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين التحقيق في القضاة الذين استغلوا مناصبهم للتغطية على جرائم الكيان الموازي.

رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارته لمسقط رأسه مدينة ريزة، اتهم الكيان الموازي بالتورط في أحداث الشغب التي شهدتها تركيا خلال مظاهرات خرجت قبل حوالي عشرة أيام للاحتجاج على محاصرة مدينة عين العرب “كوباني” من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” المعروف إعلاميا بـ”داعش”. وأضاف أردوغان أن مجلس الأمن الوطني سيناقش الموضوع في اجتماعه المزمع عقده في نهاية الشهر الجاري ليتم تقديم خطوات مختلفة لمكافحة الكيان الموازي وامتداداته.

الكيان الموازي كان ينظر إلى القضاء كأحد قلاعه المحصنة وكان يعتقد أنه من الممكن أن يفلت من أي مساءلة قانونية أو أن يعاقب خصومه من خلال رجاله في القضاء، وهذا ما دفع رجاله إلى الغرور والتجرؤ على التمادي في الخصومة ومخالفة القوانين، ولكنهم لن يجدوا في المستقبل القريب من يقوم بتبرئتهم من الجرائم التي ارتكبوها.

ومن الخطوات المتوقعة بعد الآن تصنيف الكيان الموازي رسميا كمنظمة إرهابية، وهذه الخطوة سوف تجعل الداعمين للكيان الموازي من رجال الأعمال والإعلاميين وغيرهم يواجهون شبح المساءلة القانونية بتهمة دعم الإرهاب، وبالتالي من المتوقع أن يقطع كثير منهم علاقاته مع الجماعة ويبتعدون عنها خوفا على مصالحهم، لأن الجماعة التي لا تمثل غير واحد بالمائة من الشعب كانت تبدو أقوى بكثير من قوتها الحقيقية بفضل تغلغلها في أجهزة الدولة، وكانت تجذب رجال الأعمال وأصحاب المصالح إلا أن الأنباء التي تأتي من ولاية بنسلفانيا في الأيام الأخيرة تقول إن عدد زوار زعيم الجماعة في مزرعته التي يقيم فيها تراجع بشكل ملحوظ. وهناك أنباء أخرى تفيد بأن رئيس جهاز الاستخبارات التركية هاكان فيدان بحث مع المسؤولين الأمريكان خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة ملف الكيان الموازي وجماعة كولن وزعيمها المقيم في ولاية بنسلفانيا، وعاد إلى أنقرة بنتائج إيجابية.

جماعة كولن منذ أن أعلنت الحرب على الحكومة المنتخبة خسرت في جميع الانتخابات، وبعد أن أصيبت بخيبة أمل كبيرة في الانتخابات المحلية والرئاسية ها هي اليوم تخسر في انتخابات المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين، وهذه نتيجة طبيعية لكيان تأسس في الظلام وترعرع في الظلام وعمل في الظلام وتغلغل في أجهزة الدولة بممارسة مبدأ التقية وخلف ستار الظلام.

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس