جلال سلمي - خاص ترك برس

استيقظ البروتوكول الحكومي التركي في 24 تشرين اللأول/ أكتوبر 2016، على وقع استقبال الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" الذي وصل إلى تركيا في إطار زيارة رسمية يناقش فيها مع المسؤولين الأتراك قضايا متنوعة.

صحب البروتوكول التركي عباس في زيارة إلى ضريح مؤسس الجمهورية التركية "مصطفى كمال أتاتورك"، ومن هناك إلى بناء البرلمان الذي تعرض للقصف ليلة 15 تموز/ يوليو، والذي صار مزارًا للوفود الأجنبية ليشهدها الطرف التركي على خطورة ما مرت به تركيا خلال تلك الليلة.

وفي المحطة التالية التقى عباس برئيس الوزراء بن علي يلدرم، ومن ثم برئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، حيث عقدا اجتماعًا مغلقًا استمر لما يقارب ساعة و45 دقيقة.

تُقرأ المكاتيب من عناوينها، وعنوان مكتوب هذه الزيارة يكمن في اتجاه عباس لقطر بعد تركيا، وهو ما يوحي بوجود مساعي تركية قطرية مشتركة لتحريك عجلة المصالحة الفلسطينية، ويمكن استنباط ذلك بشكل أكبر من وجود هنية في قطر منذ شهر وحتى الآن.

وقد أكدت مصادر فلسطينية دبلوماسية ذلك، مشيرةً إلى أن هذه هي الزيارة الأولى التي تقوم بها قامة فلسطينية رفيعة المستوى بعد محاولة الانقلاب، حيث جاءت لتؤكد في المقام الأول على وقوف فلسطين شعبًا وحكومةً إلى جانب تركيا التي تصدت بكل "بطولة" لمحاولة انقلاب عسكري شنيعة، أما المأرب الثاني فهو الحديث حول إمكانية إحراز المصالحة الفلسطينية بين حماس وفتح.

وفي سياق ذلك، صرح سفير فلسطين في أنقرة "فايد مصطفى"، لموقع الجزيرة ترك، بأن عباس أتى إلى تركيا للتشاور مع أردوغان حول حيثيات المصالحة التي تكفل إعادة بناء البيت الفلسطيني بشكل حقيقي، موضحًا أن عباس قد يلتقي مع قادة حماس في قطر.

صدور مثل هذه التصريحات من سفير فلسطين في تركيا له أهمية عالية في تأكيد هدف الزيارة، فالممثل الدبلوماسي للدولة هو الذي يقوم بترتيبات زيارة مسؤولي دولته للدولة التي يعمل بها، ويتناول القضايا المتوقع مناقشتها، ويحاول تقريب وجهات النظر بين دولته والدولة المتواجد بها.

على ما يبدو أن عباس بات يشعر بالضغط الذي يشكله الدور المتفحل لدحلان الذي غدا "الأب المنقذ" للشعب الفلسطيني الغائص في آتون المجهول الذي أفضى إلى انسداد الأفق وتفاقم المشاكل الأمنية والاقتصادية والاجتماعية لدى الشعب الفلسطيني الذي أمسى يرى في دحلان الأمل، بعد قيامه بالتنسيق مع عدة دول إقليمية لتخفيف حدة الخناق على الشعب، ولعل أبرز مثال على ذلك فتح معبر رفح بطلب منه لمدة 7 أيام متتالية، في سابقة هي الأولى منذ تولي قائد الانقلاب "عبد الفتاح السيسي" مقاليد الحكم في مصر، وأراد عباس إنقاذ موقفه قبل إحراز دحلان المزيد من التغلغل الذي وصل إلى حد الحديث عن إمكانية التنسيق مع حماس بمعزل عنه.

وعلى الأرجح انخرطت تركيا إلى جانب قطر للسعي في إتمام عملية المصالحة لعاملين أساسيين:

ـ الرغبة في العودة إلى الاشتهار بدور الوسيط الأكبر في منطقة الشرق الأوسط: بنى حكيم السياسة التركية الحديثة "أحمد داود أوغلو" السياسة الخارجية التركية على عدة ركائز أهمها رفع مستوى النفوذ الدبلوماسي الناعم لتركيا من خلال لعب دور الوسيط ونشر السلام بين كافة الفرقاء على الصعيدين الإقليمي والدولي.

وفي هذا الإطار، لعبت تركيا دور الوسيط بين الكثير من الفرقاء في منطقة الشرق الأوسط، وقد شمل دورها حتى الخلاف بين سوريا و"إسرائيل"، حيث حاولت عام 2009 بتحقيق اتفاقية سلام بين الطرفين، فضلًا عن دورها في محاولة تقريب وجهات نظر الأطراف الصومالية والعراقية.

وتُعد تركيا الوسيط الأول بين حركتي حماس وفتح، حيث عملت إبان فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية المنعقدة في عام 2006، بدعوة مشعل ومن ثم عباس إلى أنقرة، لتقريب وجهات نظرهم والحيلولة دون تفاقم الخلاف السياسي بينهم، ولكن نشأتها الحديثة في إطار هذه السياسة "الوساطة بين الأطراف" مع سعيها لنصب تركيزها بشكل أساسي على تشييد التنمية الاقتصادية، بالإضافة إلى تنامي الدور السعودي القطري المصري العربي في حل هذه الأزمة جعلها تتراجع بعض الشيء عن إكمال مشوارها مع الطرفين.

لطالما سعت تركيا لرفع مستواها الدبلوماسي عبر لعب دور الوسيط بين الدول لنشر مبدأ "صفر مشاكل"، وبالتالي تحقيق تكامل سياسي وارتباط اقتصادي يعودان على كافة الأطراف بالأمن والسلام والفائدة، وفي إطار مسعاها للظفر بصيت الدولة الوسيط من جديد أرادت العودة إلى الساحة عبر القضية الفلسطينية التي لها تأثيرها الإقليمي الأكبر مهما تنوعت القضايا العالقة في المنطقة.

ـ تركيا وقطر عنوانا الحيادية على الساحة: عند النظر إلى الساحة الإقليمية نجد أن أغلب الدول تدعم قدوم دحلان إلى سدة الحكم في ظل انعدام بديله وعمله كالابن المطيع الموازن لكافة القوى، ولا تقف على الحياد بشكل شبه واضح سوى تركيا وقطر، الأمر الذي دفع عباس للتعاطي مع محاولتهما لإنهاء الانقسام قبل تنامي سطو دحلان السياسي والإعلامي والاجتماعي.

لعب الكثير دورًا في حل النزاع المفتعل بين حماس وفتح ولكن دون جدوى، ويعقد الكثير آماله على تركيا وقطر لتشديد ضغطهما المشترك على الطرفين لإنهاء الأمر الذي أضر القضية الفلسطينية بشكل ملموس، وياليت تكون هذه المحاولة ناجعة في إحراز المصالحة، ولكن هل وضعت تركيا أو قطر في جعبتها أسس معينة تقنع الأطراف العربية، وخاصة الأردن ومصر والإمارات العربية المتحدة، بالمصالحة التي يرون أنها باتت ممكنة بعيداً عن عباس؟ وفي ضوء هذا التساؤل، قد يلعب التقارب العربي التركي الذي طفى على السطح مؤخراً، دوراً أساسياً في تشكيل الأسس المقنعة لهذه الدول، باستثناء مصر، حيال محاولتها وقطر لتحقيق المصالحة المنشودة.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس