د. ياسر سعد الدين - خاص ترك برس

تشتعل وترتفع الشعارات الطائفية في منطقتنا لتغطي على المنطق وتغيب العقل وتشعل الغرائز المولغة في البدائية وفي رغبات الانتقام والقتل والتشفي والازدراء، ولتبقى دائرة الاقتتال والاستنزاف مستمرة ومتسارعة لتحول بلادنا إلى خراب ومقدراتنا إلى يباب ولتهدر الطاقات البشرية والإمكانات المالية. ولأن كثيرًا من المظالم في العراق وسوريا والعديد من المجازر والفظائع تمت تحت شعارات طائفية رفعها نظام الأسد والنظام الإيراني بعد تمهيد أمريكي مدروس وخبيث ابتدأ في عهد صدام حسين وتصاعد بشكل مخيف بعد احتلال العراق وتدميره، فإن الحديث عن مخاطر الطائفية يبدو بعيدا عن سياق العواطف الملتهبة والأحداث المتلاحقة. بل إن الحديث عن محاذر الطائفية ليبدو شيئا من الردة عن واقع مؤلم وتخاذل عن نصرة ضحية تذبح بطريقة وحشية وهمجية.

لن تستطيع طائفة أن تلغي أخرى ولن نستطيع تجاوز حقائق الجغرافيا وإن كانت هناك محاولات محمومة باستخدام لعبة داعش لتغيير الديموغرافيا والجغرافيا في المنطقة على حساب العرب السنة من خلال تهجير تقوم به إيران وأدواتها ضمن تواطؤ روسي أمريكي غربي واضح وفاضح. وبالرغم مما سبق إلا إن نار الطائفية وإشعالها لن ينجح بمواجهة هذه الجرائم أو يوقفها بل على العكس تماما سيصب الزيت على نارها ويؤجج من إوارها ويجعل التقسيم والتهجير وهو جريمة كبرى، يبدو كحل لمعضلة الاقتتال وسبيلا لوقف حروب مشتعلة تأكل الأخضر واليابس وتدمر أجيالا وتحطم مستقبلها وتشوه إنسانيتها.

استخدم الاستعمار الأقليات كذريعة للتدخل في المنطقة ولعب على الخلافات المذهبية والعرقية ليمزق النسيج الاجتماعي ويضرب الجميع بالجميع، ففرنسا على سبيل المثال وإبان عهدها الاستعماري أنشئت في سوريا جيش الشرق وكانت تحرص على جعل مجنديها من الأقليات بشكل أساسي لتضرب بهم الأكثرية الساحقة من الشعب السوري الثائر. كما أستخدمت الولايات المتحدة المسألة الطائفية والعرقية كبوابة للتدخل في العراق واحتلاله وتمزيقه وتفتيته. فبعد سنوات طويلة من وقوع ماسأة حلبجة تم استخدام تلك القضية بفجاجة لإدانة النظام العراقي وشيطنته لتبرير مجازر وحصار قاتل والتغطية على جرائم الاحتلال الأمريكي وتجاوزاته.

من أيام ثورة سوريا الأولى وحين كانت المطالب الثائرين متواضعة ووطنية، ادعى النظام وبثينة شعبان كذبا وزورا أن المتظاهرين يرفعون شعارات طائفية. فالحديث عن الطائفية يفيد النظام ويبرر جرائمه، بل أن أحد الركائز التي يستند عليها النظام هي في تخويف طائفته وربط مستقبلها بجرائم النظام. من هنا فإن الحديث عن جرائم الطائفة في المجمل والتوعد بالانتقام منها هي من الأمور التي يتطلع لها النظام ويطرب إليها. ومع ورود أنباء بين وقت وآخرعن انقسامات في الطائفة وعن شعور بعض العشائر بأنهم يدفعون ثمن تمتع آل الأسد بالحكم وبميزاته أثمانا باهظة من أرواح أولادهم يبدو أن لا سبيل أمامهم للخروج والتمرد على آل الأسد في مثل هذه الأجواء، وليشكل الحديث الطائفي مانع أمام الرافضين من الطائفة –إن وجدوا- لإن يقولوا لا لعمليات الانتحار الجماعي من أجل طموحات شخصية تسابق تاريخيا نيرون وهولاكو وهتلر بجرائمهم وتجاوزاتهم.

وفي العراق المستباح إيرانيا وحين شعر الشيعة العرب بأن إيران تستخدم التشيع ذريعة للهيمنة ونهب ثروات العراق وأن حياتهم بعد سقوط صدام وحكم أتباع إيران صارت أكثر معاناة وفقرا وذلا ومهانة، بدا التململ وآخذ صورا من الرفض كثيرة منها مظاهرات في مناطق شيعية تندد بإيران وجرائمها. جاءت داعش وسلمت المدن السنة والمال الوفير والسلاح المتطور الكثير لترفع شعارات طائفية تهدد الشيعة بالذبح والثبور وعظائم الأمور، ولتدفع بالشيعة العرب دفعا نحو إيران ورجالاتها الفاسدين في العراق وليعيد هولاء تجنيد شباب العرب الشيعة وزجهم في محارق ومعارك تسنزف العراقيين من السنة والشيعة وتزيد الشقاق والكراهية فيما بينهم. فيما يخطط الإيرانيون من وراء ستار بضحايا بشرية محدودة ليحصدوا مكاسب سياسية عالية واستحواذا على العراق وثرواته والذين يريدونه ويتمنونه من غير العراقيين سنة كانوا او كردا أو شيعة.

يجب أن يعلوا صوت العقل والملتزم بضوابط دينية وأخلاقية وإنسانية على ردات الفعل والغرائز وأن يكون رفضنا للجرائم منوطا بها لا بمن يقوم بها أو تقع عليه، كما يفعل الغرب بتعريفه للإرهاب وملحقاته. الاستمرار في صب الزيت على نار الطائفية المتقد سيأكل الأخضر واليابس – أو ما تبقى منهما- وسيلقي بغبار كثيف يخلط بين المجرم السفاح وضحاياه ولتتحول الجرائم ضد الإنسانية إلى حرب أهلية وطائفية! غير أن الجكمة تحتاج إلى قوة تحميها وتصونها، وبالتالي فإن حرب الطائفيين وصدهم هي مواجهة عملية للطائفية تشبه الجراحة، غير أن الجراح يقوم بعلميته لينقذ المريض لا لينتقم منه وبالتالي علينا دائما أن نتجنب سلوكيات ومنطق القتلة والمجرمين كالأسد ومناصريه والإ فإننا نخسر معركتنا الأخلاقية ونصبح لا قدر "إذا مثلهم"!!

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس