واشنطن بوست - ترجمة وتحرير ترك برس

تسعى تركيا إلى السيطرة على مدينة الباب آخر معقل لتنظيم الدولة "داعش" في شمال سوريا. لكن هل يرحب الآخرون بهذا التقدم الجديد في الحرب على مسلحي داعش؟ ليس تماما.

بالسيطرة على المدينة تكون تركيا قد رسخت قدمها في سوريا، وهو أمر يسبب بالفعل خلافات مع لاعبين آخرين في الحرب في هذا البلد.

تعارض حكومة بشار الأسد التوغل التركي، وهددت دفاعاتها الجوية الطائرات الحربية التركية، وفي يوم الخميس قتل ثلاثة جنود أتراك، وقال الجيش التركي إن ذلك جاء في هجوم جوي سوري.

وفي الوقت نفسه يشتبك حلفاء تركيا السوريون مع المقاتلين الأكراد السوريين وهم حليف آخر للولايات المتحدة في الحرب على داعش، ويشنون في الوقت الراهن هجوما على مدينة الرقة عاصمة داعش الفعلية.

فيما يلي نظرة على أهمية الباب بالنسبة إلى تركيا، وكيف يمكن أن يؤثر الاستيلاء عليها على توزان القوى في سوريا.

لماذا الباب

بالنسبة إلى تركيا فإن السيطرة على مدينة الباب هو مفتاح منع الأكراد السوريين من ربط الأراضي الممتدة التي استولوا عليها على طول الحدود، ذلك أن إنشاء منطقة مترابطة ممتدة يسيطر عليها الأكراد في سوريا يشجع المتمردين الأكراد في تركيا. وتنظر تركيا إلى القوات الكردية على الجانبين على أنهما مرتبطتان، وتصفهما بالإرهابيين.

سيؤدي انتصار تركيا في الباب إلى دفع داعش بعيدا عن الحدود التركية، وزيادة الضغط على مسلحي داعش في مدينة الرقة.

قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن "تركيا أجبرت على التوجه إلى مدينة الباب التي تقع على بعد 30 كم جنوبي الحدود التركية السورية لإعداد منطقة خالية من الإرهاب". تتطلع تركيا التي تستضيف 2.7 مليون لاجئ سوري على الأقل، إلى تكوين منطقة آمنة داخل سوريا.

لكن أولوية تركيا هي الأكراد، فقد تعهد الرئيس أردوغان أيضا بالاستيلاء على مدينة منبج القريبة التي احتلها الأكراد هذا الصيف بعد 10 أسابيع من المعارك الطاحنة. هذا النصر سمح للأكراد بالتوسع غربي نهر الفرات، وهو خط قالت أنقره إنه يجب أن لا يتجاوزه الأكراد.

تمنح مدينة الباب تركيا قوة جديدة مع حليفتها في حلف الناتو، الولايات المتحدة، وتعزز نفوذ أنقرة على المعارضة السورية المسلحة، في وقت يمكن فيه لإدارة ترامب الجديدة أن توقف هذا الدعم.

ساحة المعركة

تقع الباب بين ثلاث قوى متنافسة: لا يبعد المقاتلون المدعومون من تركيا بعد تحركهم من الشمال  والغرب سوى أقل من كيلومتر واحد عن المدينة، ويتحرك الأكراد من جهة الشرق، وتتمركز قوات النظام السوري في الجنوب.

استعد تنظيم الدولة، وأقام سورا حول المدينة بأكملها، بحسب ما بينته صور الأقمار الصناعية لشركة تيرا سيرفير بالتعاون مع المحلل الاستخباراتي روا كومار الذي قال إن القتال في الباب يمكن أن يكون عنيفا مثلما كان في منبج.

وفقا لمسؤول عسكري غربي طلب عدم الكشف عن هويته، يشارك ما بين 1500 إلى 3000 مقاتل سوري مدعومين بـ300 إلى 600 مقاتل تركي في عملية التوغل التركي منذ ثلاثة أشهر في شمال سوريا المعروفة باسم درع الفرات، وقد استولت هذه القوات حتى الآن على 1800 كم، وطهرت المدفعية والطائرات التركية المناطق الريفية ذات الكثافة السكانية المنخفضة.

يضم حلفاء تركيا السوريون مجموعات تعاني من الاقتتال الداخلي مثل حركة أحرار الشام وكتائب المعتصم المدعومة من الولايات المتحدة. ويمنح الوجود التركي على الأرض هذه المجموعات الحماية من الضربات الجوية الروسية أو السورية التي قصفت المعارضة في مكان آخر، حسبما قال مصطفى سيجري قائد كتائب المعتصم في تغريدة له على موقع تويتر.

وفي الوقت نفسه يصر الأكراد على الاستيلاء على الباب على الرغم من أنهم أكثر عرضة لهجوم تركي، وبالفعل نشبت معارك بين المقاتلين الأكراد والمقاتلين السوريين المدعومين من تركيا للسيطرة على قرية في حوزة داعش تقع بين الباب ومنبج.

وفي تلك الآونة تجند تركيا مزيدا من قوات المعارضة السورية المسلحة، حيث تدرس إحدى جماعات المعارضة التي أجليت أخيرا من داريا في ريف دمشق إلى إدلب في الشمال الانضمام إلى العملية التركية.

بعد صموده أربع سنوات ضد حصار الجيش الحكومي، قال أبو جمال قائد لواء شهداء الإسلام إن 700 مقاتل من اللواء سينضمون إلى معارك أخرى في شمال سوريا لاكتساب خبرات جديدة، وقال نحن لم نقاتل داعش من قبل.

ما موقف الولايات المتحدة؟

لم تتعرض سياسة الولايات المتحدة المضطربة غالبا في سوريا لاختبار مثلما تتعرض للاختبار في الباب.

تسعى الولايات المتحدة بالدرجة الأولى إلى منع القتال بين الحليفين، تركيا والأكراد، ولكن دون تحقيق نجاح يذكر. بعد زيارة رئيس الأركان الأمريكي، الجنرال روجر دانفورد، لأنقرة في مطلع شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، أرسل مسؤول ارتباط عسكري إلى أنقرة من أجل مزيد من التنسيق في عمليات الحرب على داعش.

يقول نوا بوسنان المحلل في مجموعة الأزمات الدولية ومقرها بروكسل إن التنسيق يمكن أن يشمل الهجوم على مدينة الرقة. وقال بوسنان إن الهجوم بدأته القوات الكردية، لكن الولايات المتحدة تعترف بالحاجة إلى مزيد من القوات العربية السنية المحلية للاستيلاء في نهاية المطاف على المدينة ذات الأغلبية العربية والسيطرة عليها. أما أنقرة التي قالت إنها تريد المشاركة في عملية الرقة فإنها في وضع يسمح لها بالمساعدة في ذلك.

لكن واشنطن بتركيزها على قتال داعش تكافح في الوقت نفسه في لعبة أقوى مع روسيا وتركيا ولاعبين آخرين في سوريا.

زادت تركيا قربا من روسيا حتى في الوقت الذي تدعم فيه المعارضة السورية التي تضم المحافظين المتشددين تحت قيادتها.

تقول جينيفير كافاريلا الباحثة في الشأن السوري في معهد دراسات الحرب في واشنطن إن " الولايات المتحدة ستستيقظ في عام 2017...  لتجد أن لتركيا النفوذ المحلي الكامل والقوة المحلية الكاملة، وأنه ليس لدينا شئ من النفوذ أو القليل جدا.

وجهة نظر من موسكو ودمشق

على الرغم من معارضة الأسد للتوغل التركي، فإن حليفته موسكو تبدو متسامحة من أجل مواصلة تحسين العلاقات مع أنقرة.

وحدت تركيا وروسيا أرضية مشتركة حول سوريا، وقد التقى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عدة مرات منذ شهر أغسطس/ آب الماضي، بعد اعتذار تركيا عن إسقاط طائرة حربية روسية في العام الماضي. التقى قادة الجيش الروسي والتركي ثلاث مرات في غضون ثلاثة أشهر، وتقول وسائل الإعلام الروسية إن موسكو تتبادل المعلومات الاستخباراتية مع أنقرة.

مع تحسن العلاقات من المرجح أن تهدف موسكو إلى استغلال التوتر بين تركيا والغرب. وفي المقابل تمنع تركيا روسيا من التقارب مع الأكراد.

من الممكن أن موسكو ترى فائدة في التوغل التركي في مدينة حلب على سبيل المثال، حيث تهدد قوات الأسد المدعومة من روسيا بسحق الجزء الشرقي الذي تسيطر عليه المعارضة. ومن غير المرجح أن تعرض أنقرة التقارب مع موسكو للخطر بإرسال الجماعات السورية المتحالفة معها لإنقاذ الجزء الشرقي من المدينة.

على أن موسكو يجب عليا أن تتعامل أيضا مع معارضة حليفها السوري الأسد للنفوذ التركي في سوريا.

أوقفت تركيا لفترة وجيزة هجماتها الجوية هجماتها الجوية حول مدينة الباب بعد أن رصدتها الدفاعات الجوية السورية في الأسبوع الماضي، ثم استؤنفت الهجمات هذا الأسبوع، ما أثار التكهنات حول وساطة روسية.

سقوط  ضحايا في صفوف القوات التركية يوم الخميس الماضي يمكن أن يكون إشارة على أن دمشق  تنظر إلى التقدم التركي نحو مدينة الباب على أنه خطوة بعيدة للغاية. الرواية التركية حول مقتل الجنود الثلاثة على يد قوات النظام السوري يناقضها ما يقوله النشطاء السوريون من أنهم قتلوا في هجوم انتحاري لداعش في اليوم السابق. 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!