أريان بونزون - سلايت - ترجمة وتحرير ترك برس

أدت الاعتداءات الإرهابية الأخيرة، التي نفذها تنظيم حزب العمال الكردستاني "بي كي كي" بالتعاون مع تنظيم صقور حرية كردستان، إلى تقوية موقف الحكومة التركية العازمة على محاربة هذه الحركات المسلحة للقضاء عليها، خاصة وأن بي كي كي يمثل أخطر منظمة يتحرك تحتها المتمردون والانفصاليون الأكراد.

تبنت الجماعة المتطرفة التابعة لحزب العمال الكردستاني، والتي تحظى بدعم النظام السوري، العمليات الانتحارية التي جدت يوم 10 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أمام ملعب نادي بيشيكتاش التركي، في قلب مدينة إسطنبول، والتي راح ضحيتها 39 قتيلا بينهم 20 شرطيا.

ومن خلال هذا الهجوم، يؤكد تنظيم بي كي كي عزمه على تنفيذ تهديداته بنقل حربه ضد الأتراك إلى عقر دارهم. ورغم إجراء بعض المفاوضات بين تركيا وهذا التنظيم، ورغم تحقيق بعض النجاحات العسكرية التركية ضده، إلا أن هذه الحرب على ما يبدو سيطول أمدها.

وتجدر الإشارة إلى أن تصريحات بعض النواب الأكراد الانفصاليين جاءت مشيدة بجهود تركيا في دفع مفاوضات السلام مع بي كي كي.  ولا ننسى تأكيد زعيم بي كي كي، عبد الله أوجلان، في نهاية شهر شباط/ فبراير من سنة 2015، على أن المفاوضات مع تركيا شهدت تقدما ملحوظا. لكن بعد خمسة أشهر فقط تغير كل شيء.

اتهم بي كي كي تركيا بالتورط في مقتل 33 ناشطا اشتراكيا كرديا خلال تفجير تبناه تنظيم الدولة في مدينة سوروج التركية. وردّ التنظيم على هذا التفجير بقتل شرطيين تركيين بعد أن اتهمهما بالعمل مع تنظيم الدولة.

وقد تسببت هذه الحوادث في إلغاء الهدنة بين الدولة التركية وبي كي كي، ما جعل عبد الله أوجلان يعلن عن نهاية المفاوضات السلمية، وهو ما دفع بتركيا إلى استئناف عملياتها العسكرية ضد التنظيم.

وقد قام بعض الشباب الأكراد بإنشاء ما يعتبرونه "مناطق حكم ذاتي محررة"، بعيدا عن رقابة الدولة التركية، داخل بعض مدن الجنوب الشرقي التركي، كما أعلنوا عن تمردهم وقاموا بحفر خنادق ووضعوا حواجز مستعملين آليات ومعدات محلية، ثم استعملوا أسلحة تمكنوا من الحصول عليها عبر سوريا، لمواجهة القوات الخاصة التركية، وبدأت دوامة العنف بين الجانبين.

وفي نفس السياق، نجحت القوات التركية في التصدي للعصيان المدني الكردي، وإعادة فتح مدن الجنوب الشرقي وعلى رأسها بلدتي جيزرة ونصيبين، ومدن يوكسكوفا وديار بكر وشرناق. لكن تسببت أعمال العنف بتدمير عدة أحياء بالبلدات والعديد من المدن، مع نزوح قرابة 200 ألف مدني تاركين منازلهم متجهين نحو مدن حدودية أخرى.

لكن تبقى الخسائر البشرية هي الأكثر إيلاما، فبالرغم من صعوبة تحديد عدد القتلى بشكل دقيق، إلا أن عدد الضحايا المدنيين بلغ قرابة 300 قتيل، كما خسرت أجهزة الأمن التركي قرابة 800 فرد من قواتها، بينما سقط قرابة ألف عنصر من تنظيم بي كي كي بين قتيل وجريح.

ويعمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إضعاف الأحزاب اليسارية الكردية وعلى رأسها حزب الشعوب الديمقراطي، وهو عبارة عن تحالف بين عدة أحزاب يسارية موالية لحزب العمال الكردستاني، للحد من تأثيره داخل الساحة السياسية التركية، مع العلم أن هذا الحزب يعارض النظام الرئاسي الذي يعمل أردوغان على تركيزه في البلاد.

أعلن أردوغان بعد خمسة أشهر عن إعادة التصويت في الانتخابات التشريعية التي أجريت يوم 7 حزيران/ يونيو من سنة 2005، والتي حقق خلالها حزب الشعوب الديمقراطي نجاحا باهرا. وقد اتخذ الرئيس التركي هذا الإجراء بعد موجة العنف التي هزت تركيا جنوب البلاد، ونتج عن إعادة التصويت خسارة حزب الشعوب الديمقراطي لـ21 مقعدا في البرلمان التركي (59 مقعد عوضا عن 80 مقعد). ونجحت مناورة الرئيس التركي في إضعاف وزن حزب الشعوب الديمقراطي في البرلمان.

وخلال شهر أيار/ مايو الماضي، فتح القضاء التركي تحقيقا ضد نواب أكراد في البرلمان بعد اتهامهم بالتعاون مع بي كي كي، بسبب دفاعهم على هذا التنظيم أو نتيجة سكوتهم وعدم إدانتهم لجرائمهم ضد الأتراك، أو بسبب حضورهم جنائز بعض قتلى هذه المنظمة الإرهابية. ومن بين هؤلاء النواب صلاح الدين دميرطاش والنائبة فيغين يوكسيكداغ، اللذان يقبعان حاليا خلف القضبان لحين محاكمتهما.

من جهة أخرى، نقل حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) عملياته المسلحة من الجبال والأقاليم الكردية في تركيا نحو المدن الكبرى الواقعة أقصى غرب تركيا، حيث أصبحت كل المدن التركية هدفا لضربات هذا الحزب.

وليس تنظيم الدولة وحده من يستعمل سيارات وشاحنات مفخخة، فحتى تنظيم بي كي كي تعتمد في هجماتها على انتحاريين أو وسائل نقل مفخخة لقتل واستهداف مسؤولين في الدولة التركية، منهم رجال الشرطة الذين كُلّفوا، رفقة قوات مكافحة الإرهاب، بمهام من اختصاص الجيش وقوات الدرك التركي.

وهذه العمليات الإرهابية ليست حكرا فقط على مسؤولين عسكريين كبار من بي كي كي، الذين انتقل بعضهم لسوريا للانضمام لوحدات حماية الشعب الكردي أحد أذرع هذه المنظمة في سوريا، بل هناك متطوعون من الشباب الكردي مستعدون لتقديم تضحيات لصالح هذا التنظيم، هذا يؤكد ارتفاع نسبة التعصب العرقي بين صفوف الشباب الكردي والتركي داخل تركيا نفسها.

ويتفق الأكراد الموجودون شمال سوريا مع بي كي كي في الأهداف والمطالب، حيث تتشارك منطقة الإدارة الكردية في شمال سوريا، أو كما يسميها الأكراد "كردستان السورية"، نفس المشروع السياسي مع بي كي كي والمتمثل في الولاء للقومية الكردية، وتركيز نظام ديمقراطي راديكالي، وتأسيس بيئة اجتماعية بقوانين فيدرالية ديمقراطية. هذا المشروع السياسي الذي يتضارب مع مشروع حكومة إقليم كردستان التي ما زالت وفية لتقاليد النظام المحافظ.

وفي الختام، لا يبدو حزب العمال الكردستاني خائفا من الصفعة السياسية التي وجهها أردوغان وحكومته لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، كما أصبحت فكرة العودة لطاولة الحوار أمرا شبه مستحيل للوصول إلى اتفاق يرضي الطرفين، خاصة بعد النجاحات العسكرية التي حققتها الأذرع المسلحة للأكراد خارج الحدود التركية، والتي من شأنها أن تعزز الحضور السياسي للأكراد داخل تركيا.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس