علي حسين باكير – خاص ترك برس

دعا رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو الأسبوع الماضي إلى عدم الخلط بين المنطقة العازلة والمنطقة الآمنة قائلا إن تركيا لم تطالب أبدا بمنطقة عازلة وإنما طالبت بمنطقة آمنة للمدنيين السوريين. وبغض النظر عن الجهة التي خلطت عمدا أو جهلا بين المفهومين، فقد شاع فعلا في الآونة الأخيرة استخدام مصطلح المنطقة العازلة، وهو ما قد يدفعنا للتساؤل، ما هو الفارق بين "المنطقة العازلة" ومنطقة "الملاذات الآمنة"؟.

الحقيقة أنّ المفهومين قد لا يشكلان حالة من الالتباس لدى المستمع للوهلة الاولى، لكن هناك فروقات جوهرية بين المصطلحين وإن لم يتم إعطاؤهما حقّهما لناحية التأصيل النظري بعد. 

المنطقة العازلة عموما تعرف باسم (Buffer Zone) والبعض يستخدم اسم (Safe  Zone) للإشارة إليها. وهي عبارة عن منطقة يتم إنشاؤها غالبا على الحدود الدولية بين دولتين أو أكثر، وفي بعض الأحيان قد تكون داخل مساحة من الأرض مختلف عليها كما الحال في قبرص مثلا، وتنشأ في الحالات التي يكون فيها انقسامات شديدة التمايز عرقية أو إثنية أو دينية أو ديمغرافية أو في مناطق كوارث طبيعية أو مفتعلة (كيماوية أو نووية أو بيولوجية... الخ).

وتنشأ هذه المنطقة العازلة لأهداف وغايات متعددة أبرزها الفصل بين فئتين أو مجتمعين أو دولتين بحيث تمنع الأعمال العدائية بين هذه القوى على طرفي المنطقة العازلة التي تم إنشاؤها والموجودين هناك أصلا.

وعدا عن خاصية العزل التي تقوم بها هذه المنطقة، فهي تكون منزوعة السلاح ويطبق عليها مبدء الممنوعات الثلاثة (ممنوع الدخول وممنوع القيادة وممنوع السلاح) وهذا يتطلب جعلها فارغة تماما ممن قد يتسبب بأي من هذه اللاءات الثلاث، وهي بهذا المعنى تكون أشبه بمنطقة عسكرية.

أما منطقة الملاذات الآمنة فهي تعرف عموما باسم (Safe Havens) ويسميها البعض اختصارا (المنطقة الآمنة) وهو ما قد يتداخل مع التعريف السابق. ويكون الهدف من إنشاءها ليس الفصل بين طرفين بقدر ما هو جعل مساحة من الأرض آمنة سواء للقاطنين فيها أو لأولئك الذين قد يلجؤون إليها هربا من حرب أو صراع ما أو لأولئك الذين كانوا قد نزحوا عنها أو هجروها نتيجة تعرضهم للأعمال العدائية ليتمكنوا من العودة إليها.

ومن الفوارق بين منطقة الملاذ الآمن والمنطقة العازلة انّ الأولى لا تشترط بالضرورة أن تكون على الحدود الدولية، فقد تكون داخل الدول أو الكيانات أو المناطق، ويعدّ الهدف الأساسي لإنشاء منطقة الملاذ الآمن هدفا انسانيا وهو ما قد يتطلب أن تكون متصلة بممر مفتوح عبر الحدود الدولية أو عبر مناطق أخرى داخل البلد أو عبر مرفأ أو مطار ..ألخ، كما أنّ المنطقة الآمنة وعلى عكس العازلة تكون مقصدا للناس وليست فارغة أو يتم إفراغها.

كلا المنطقتين تحتاجان إلى حماية معيّنة سواء من الجو أو البر أو البحر (إن توافر)، لمنع الأعمال العدائية بين طرفين أو لمنع تعرض طرف للأعمال العدائية القادمة من طرف آخر.

ورغم حالة الالتباس المنتشرة بخصوص المنطقتين فيما يتعلق بتركيا والوضع السوري، إلا أنّ هناك من يعلم الفرق تماما ولكنّه يستخدم مصطلح المنطقة العازلة ليرسل رسالة إلى شرائح معيّنة يقول لهم من خلالها إن تركيا تريد إقامة هذه المناطق على حدودها والتي تتقاطع غالبا مع بعض المناطق التي يتواجد فيها أكراد على الجانب السوري من الحدود.

بمعنى آخر هناك من يريد تحويل الموضوع برمّته عن هدفه الأساسي ليقول إن التدخل التركي سيكون هدفه منع طموح الأكراد في إنشاء منطقة حكم ذاتي في سوريا، علما أنّ الحقائق في سوريا سواء الديمغرافية أو الجغرافية لا تسمح للأكراد أصلا بتحقيق ذلك.
على كل حال، تركيا تطالب المجتمع الدولي منذ اندلاع الثورة السوري بإنشاء مناطق آمنة (ملاذات) داخل سوريا قد يتقاطع بعضها مع مناطق على الحدود ولكن معظمها سيكون داخل سوريا. أما الأسباب التي تدفع الجانب التركي للإصرار على المطالبة بها، فيمكن إيجازها بما يلي: 

1 - تجاوز عدد اللاجئين لدى تركيا وفقا للمسؤولين 1.6 مليون نسمة، وهو رقم مرشح للتصاعد في ظل عمليات التحالف الدولي، مما يعني أنّ الأمر تحول إلى مشكلة تسبب ضغطا سياسيا داخليا وضغطا اجتماعيا يولد احتكاكات وصدامات بين الفينة والأخرى، وكذلك ضغطا اقتصاديا(صرفت حوالي 4 مليار دولار)، وهو قابل للانفجار في أي لحظة مما يكبّل تركيا.

ولا يمكن حل الموضوع إلا من خلال انشاء منطقة ملاذ آمن أو مناطق ملاذات آمنة داخل سوريا يستطيع اللاجئون السوريون العودة إليها وبالتالي يخف الضغط ويتم تحرير تركيا من القيود وتصبح أكثر قدرة على المناورة.

2 - مسألة منطقة الملاذات الآمنة أيضا تتعلق بدعم المعارضة السورية. واشنطن تقول إنها تدعم المعارضة السورية، لكن الجانب التركي يقول عمليا لا يمكن أن يظل موضوع دعم المعارضة السورية فاعلا إذا بقيت متمركزة في اسطنبول. تركيا ترى أنه يجب أن تكون الآن كل هذه المعارضة في الداخل السوري وأن تعمل الحكومة المعارضة بقوة من الداخل السوري وهي مستعدة لذلك، ولكن هذا يتطلب حماية اللاجئين العائدين والمعارضة أيضا من هجمات النظام بالطائرات والبراميل المتفجرة والصواريخ وهذا يتطلب بدوره منطقة حظر طيران.

3 - الولايات المتحدة والتحالف الدولي يقولون إنهم يدعمون المعارضة السورية المسلحة المعتدلة، وتركيا ترى أنه لا يمكن لهذه المعارضة مهما كانت قوية أن تقاتل داعش والأسد في نفس الوقت لمدة طويلة في ظل المعادلة الحالية الملتبسة ومن دون دعم حقيقي لها. المنطقة الآمنة (الملاذات) تخدم فكرة دعم المعارضة المعتدلة (الجيش الحر) بشكل ممتاز، فهي ستتطلب حظرا جويا وهذا سيساعد هذه المعارضة المسلحة على التقدم باتجاه معاقل الأسد المتبقية دون أن تخاف من أن تنزل عليهم براميل الأسد أو أن يعيد احتلال المناطق التي كانوا قد حرروها.

4 - إنشاء مناطق الملاذات الآمنة سيتطلب بالضرورة تحييد سلاح الجو التابع لنظام الأسد وأي تهديد قد يشكله على هذه المناطق، وهذا يخدم أيضا فكرة تركيا في أنه من غير الممكن التغلب على "داعش" من دون ضرب النظام السوري، والإصرار على فعل ذلك لن يؤدي إلا إلى مزيد من اضعاف للمعارضة السورية المسلحة المعتدلة وتقوية الأسد في النهاية، وهذا ما يتناقض حتى مع ما تدّعي واشنطن أنها تسعى إليه ألا وهو دفع الأسد إلى التنازل في مفاوضات سياسية. إذ كيف يمكن لأحد أن يتنازل إلا إذا شعر بأنه مستهدف أيضا وأن المعادلة تضعفه ولا تقوّيه.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس