د. سمير صالحة - الجمهورية

تقدّم «الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة» بمذكّرة للسلطات التركية يطلب فيها محاكمة الطيّار السوري المرتبط بالنظام محمد صوفان، الذي أسقطت طائرته وهو يُنفّذ غارة على المناطق السكنية في مدينة إدلب مطلع الشهر الحالي، فهبط بمظلته في مدينة هطاي التركية.

يستند «الائتلاف» في طلبه إلى الفقرة 3 من المادة 29 من إتفاقية تسليم المجرمين المعقودة بين سوريا وتركيا، حيث يدعو إلى جمع حطام الطائرة والوسائل الجرمية التي بحوزة الطيار وإستجوابه تمهيداً لمحاكمته بتهمة مشاركته في عمليات ارتكاب مجازر في حقّ مدنيين سوريين.

ما إن أعلن الأتراك العثور على الطيار صوفان حتّى تحرّك العديد من الأفراد والمؤسّسات الحقوقية السورية والتركية للمطالبة بعدم إعادته إلى النظام، وبدأ الحديث عن الجوانب القانونية التي تقود إلى محاكمته بتهم ارتكاب جريمة حرب بسبب قصفه للمدنيين السوريين وقتل الأبرياء واستهداف الأماكن الآهلة بالسُكّان.

ما الذي يمكن أن تفعله تركيا وما هي فرصها وحظوظها في الاستجابة إلى هذه الطلبات أو التحفّظ على الطيار السوري لمنعه من الرجوع إلى سوريا أو مناقشة فكرة مبادلته بمعتقلين لدى الأمن السوري بينهم المقدّم حسين الهرموش أوّل ضابط سوري ينشق إثر اشتعال الأزمة السورية؟ وهل ستستفيد أنقرة من هذه الورقة الثمينة في مسائل أمنية وسياسية عالقة مع دمشق؟

أوّل ما فعلته أنقرة من منطلق القانون الدولي الانساني كان إخضاع الطيّار العقيد صوفان، للعلاج في مستشفياتها وتأمين حالته الصحية بعدما ثبت تعرّضه لكسور في عموده الفقري والجمجمة خلال ارتطامه بالأرض.

لا بل هي سهّلت لأسرته الاتصال به هاتفياً للاطمئنان على صحّته. وهو اليوم تحت المراقبة والحراسة في مكان لا تفصح عنه السلطات التركية خوفاً من استهدافه. رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم، قال أكثر من ذلك: «الطيار سيُعامَل معاملة إنسانية وسنسمح لعائلته بزيارته».

النظام السوري لن يتخلّى عن طياره بمثل هذه السهولة وهو حتماً سيتقدّم بطلب استرداده من السلطات التركية وخيارات أنقرة في مثل هذه الأوضاع محدودة، وهناك حالات ونماذج مشابهة في العلاقات الدولية. تركيا ملزمة ببحث القضية مع دمشق بعدما إعترفت بوجود الطيّار لديها.

تركيا ليست في حال حرب مع سوريا وصوفان في هذه الأثناء ليس أسيراً أو رهينة أو سجيناً أو حتّى محتجزاً بل ضابطاً سورياً سقط بمظلته داخل الأراضي التركية وهو سيُعامل على هذا الأساس. والقانون الدولي يفرض إعادته إلى أقرب نقطة حدودية مع بلده سوريا خلال أقصر فترة زمنية إذا لم يكن مطلوباً للقضاء التركي.

شرعية تواجد «الائتلاف الوطني السوري» فوق الأراضي التركية تعني تركيا ولا تعني نظام بشار الأسد، وبالتالي، لا تعني منح المعارضة حقّ تسلّم الطيّار لمحاكمته أو التفاوض على استبداله بضبّاط يحتجزهم النظام. تركيا ملزمة بالأخذ بمبادئ ومعايير سياسية وديبلوماسية وقانونية في علاقاتها مع الدولة السورية، وما تقوله حول بشار الأسد لا يعطيها حقّ التصرّف الفردي أو الخروج عن هذه الاتفاقات.

متى تختلف المسألة وتأخذ بعداً ومنحاً قانونياً جديداً؟ ومتى يعطي القانون الدولي تركيا الحقّ بعدم إعادته للسلطات السورية؟

عندما تصل السلطات القضائية التركية إلى قناعة مشاركته في تنفيذ غارات ضدّ مواقع مدنية أو تثبت مشاركته خلال سنوات الثورة بغارات من هذا النوع. إذا ما استطاعت الأطراف المتضرّرة أو التي تمثّلها من تقديم أدلّة وبراهين تدينه، فمسار القضية سيختلف حتماً.

وهنا تكمن قدرة المعارضة السورية على تزويد السلطات التركية بالوثائق والأدلّة التي تدينه في استهداف مدنيين أو قتلهم. تركيا حسب التزاماتها القانونية الوطنية والدولية ستحتجزه بانتظار بحث الأدلّة والوثائق المقدّمة ضدّه، وهنا يأتي مجدّداً دور المتضرّرين والمشتكين ووكلائهم.

منح المحامين الذين سيُتابعون ملف القضية فرص تقديم طلب توقيف الطيار السوري في تركيا يختلف تماماً عن مسألة إقناع الإدعاء العام والقضاء التركي بضرورة اعتقاله ومحاكمته بتهمة إرتكاب جرائم ضد المدنيين، والحيلولة دون تسليمه إلى النظام السوري.

الوثائق والمستندات التي تمنح المحامين فرصة إستكمال الشروط الشكلية والإجرائية التي تمكّنها من رفع الدعوى مثل الحصول على توكيلات المتضرّرين وذوي الضحايا مصحوبة بما يقنع الإدعاء العام التركي بتبنّي فكرة إقامة هذه الدعوى هو ما يتم التركيز عليه في هذه المرحلة من المتضرّرين والمشتكين.

الدعاوى التي أُقيمت في موضوع حادثة الاعتداء على أسطول الحرية في المياه الدولية من القوات الإسرائيلية تُساعد على فتح الطريق أمام دعاوى «الاقتصاص القضائي العالمي بقوانينه المحلية»، وأضعف الاحتمالات هنا هو قرار التحفّظ على الطيّار وعدم تسليمه للسلطات السورية إذا ما فتح الطريق أمام القضاء التركي للتأكّد من تورّطه بارتكاب جرائم حرب تلزم تركيا بتطبيقها كونها طرفاً في معاهدات جنيف في القانون الدولي الانساني لعام 1949.

القانون الجزائي التركي يتبنّى مبدأ «الإختصاص العالمي»، أي ممارسة الولاية القضائية الجزائية الداخلية على مرتكبي الجرائم الدولية كما أنّ القانون التركي ينص على تجريم أفعال الإبادة والجرائم المرتكبة ضدّ الإنسانية لذلك بمقدور ذوي الضحايا والمتضرّرين من قصف هذا الطيار رفع دعوى جزائية أمام القضاء التركي بتهمة ارتكابه جرائم ضدّ الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية في سوريا، غير أنّ الوصول إلى النتيجة مرتبط مباشرة بحجم الأدلّة الثبوتية المقدّمة ضدّه مع العلم أنّ سوريا أيضاً بين الدول الموقّعة لمعاهدات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكولات الإضافية الملحقة بها لعام 1977.

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس