جلال سلمي - خاص ترك برس

تورد بعض وسائل الإعلام المطلعة وجود نية حازمة لدى تركيا لإجراء عمليات عسكرية في المنطقة، في العراق وسوريا، خلال الأشهر القادمة القريبة. وفيما تُطلق وسائل الإعلام المطلعة اسم "سيف الفرات" على العملية العسكرية التي يُتوقع أن تتم في العراق، تُطلق على العملية العسكرية المتوقعة في سوريا اسم "قره كوزاك"، فضلًا عن وجود احتمال كبير للمشاركة في عملية عسكرية في محيط الرقة ودير الزور، حيث تشارك تركيا في هذه العملية عبر قوات معارضة سورية مقربة لها، على أن تدعمها بتغطية جوية مناسبة.

وفي ضوء ذلك، باتت التساؤلات التي يطرحها المتابعون للشأن التركي ما هي تفاصيل هذه العمليات، وما هي مدى إمكانية تطبيقها، وما هو مدى الزخم الذي قد تحمله في طياتها؟

أُفصح عن تفاصيل عملية "سيف الفرات" في الصحافة التركية من قبل الصحفية "تشافيك جان" من صحيفة ميلييت المعروف عنها علاقاتها الوثيقة مع بعض جنرالات الجيش. ووفقًا لتشافيك جان، فإن العملية قد تكون برية موجهة ضد مواقع حزب العمال الكردستاني في كل من جبال قنديل وشنكال، للحيلولة دون إمعانه في بناء بينته الاجتماعية والعسكرية في المناطق المحيطة بالجبال المذكورة، لا سيما في سنجار التابعة لمدينة الموصل، وداقوق التابعة لمدينة كركوك.

تأتي هذه العملية التي لم تبيّن الصحفية موعدها الأكيد، لكنها أشارت إلى إمكانية تنفيذها بعد الاستفتاء بشهر أو شهرين، في إطار "الاستراتيجية الهجومية الوقائية أو الاستباقية" التي تتبعها تركيا ضد وجود حزب العمال الكردستاني في العراق منذ عام 1997، حيث أجرت منذ ذلك العام حتى يومنا هذا عددًا من العمليات العسكرية البرية المستقلة أو في إطار التحالفات الدولية، لدرء خطر حزب العمال الكردستاني ـ الحزب الكردي المحارب لتركيا منذ عام 1984 ـ الذي أصبح يرى وجود إمكانية لربط الإقليم بسوريا ومن ثم الاستمرار في بناء الحزام الكردي القاطع للحدود التركية عن سوريا.

عادةً، ما اتسم هذا النوع من العمليات العسكرية التركية بالمستوى المنخفض، وربما يعود ذلك إلى وعورة الأرض المسيطر عليها من قبل عناصر الحزب، ووجود ثغرات أمنية في مناطق أخرى.

بلا شك في أن التحرك التركي في سوريا، والهزة التي أصابت الجيش نتيجة انقلاب 15 تموز/ يوليو، وعملية الاستفتاء التي جرت في تركيا، وخشيت الحكومة أن تتأثر سلبًا في حين ارتفعت حدة الخسائر البشرية والعسكرية، وغيرها، عوامل عدة أرغمت الحكومة التركية على تأجيل هذه العملية التي فسحت المجال نتيجة تأخرها أمام حزب العمال الكردستاني ليحقق تمدده العسكري والمجتمعي. ويبدو أن القيادة التركية تعمل اليوم وفقاً لقاعدة "أن تأتي متأخرًا خيرًا من ألا تأتي أبدًا".

وعند وضع التحالف السياسي والعسكري والاقتصادي الوثيق الذي يربط بين تركيا والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة "مسعود بارزاني"، بعين الاعتبار، وبالأخص بعد ارتفاع حدة الاحتقان بين قوات البيشمركة التابعة لبارزاني وعناصر حزب العمال الكردستاني مدعومةً إعلاميًا وعسكريًا بقوات البيشمركة التابعة للحزب الاتحاد الوطني الكردستاني المنافس لحزب بارزاني، نلمس أهمية التحرك التركي لإبقاء بارزاني على هيمنته في إطار الحفاظ على "توازن القوى" القائم في الإقليم ضد إيران الداعمة لجميع الأطراف المعادية للتحالف القائم بين تركيا وحكومة الإقليم.

وفيما يتعلق بالعمليات العسكرية التركية في سوريا، تتمحور الاحتمالات حول عملية عسكرية باسم "قره كوزاك" ترمي إلى إعادة رفات سليمان شاه، جد مؤسس الدولة العثمانية، وأصدقائه إلى منطقة "قره كوزاك" القريبة من  والتي كانت تحتضنها قبل نقلها مؤقتاً إلى قرية "آشمة" عبر عملية "شاه فرات" التي تمت في 22 فبراير/ شباط 2015.

في اليوم التالي للعملية، أعلنت القيادة التركية أن الرفات ستبقى في "آشمة" بشكلٍ مؤقت، وسيتم إعادتها إلى مكانه الأصلي بعد اندثار المخاطر الأمنية عليه، وبعد إحراز تركيا لعملية "درع الفرات"، باتت الساحة مناسبة لإعادة تلك الرفات. ونظرًا لطبيعة العملية، فإن التقييم الأفضل لها هو أنها عملية "مُكملة" لعملية أساسية تمت في السابق، وليس عملية عسكرية جديدة تحرز تركيا من خلالها المزيد من المكتسبات، لا سيما وأن الجيش التركي موجود هناك بفعل اتفاقية أنقرة المُبرمة بين تركيا والاستعمار الفرنسي عام 1921.

في المحصلة، تبدو العمليات العسكرية المذكورة عمليات عسكرية إما روتينية أو مكملة لعمليات عسكرية منخفضة المستوى قامت بها تركيا سابقًا، ويبدو أن العمليات العسكرية التركية مرتفعة المستوى، استنادًا إلى التنسيقات الدبلوماسية المكثفة التي تجرب بين تركيا وبريطانيا وبضع دول الخليج من جهة وتركيا والولايات المتحدة من جهةٍ أخرى، ستكون في محيط مدينتي دير الزور والرقة.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس