نصوحي غونغور – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس

كل الدلائل تشير إلى أنّ العلاقات التركية-الأمريكية لن تكون كما كانت في الماضي، فهذه العلاقات قد تنقطع بصورة سهلة، وبالنسبة للكثيرين، وخصوصا المستفيدين من الوضع الذي كان قائما بعد الحرب الباردة، يرون في هذه التطورات مصدرا مزعجا لهم.

هل نستطيع الحديث أنّ العالم أجمع يتشكّل من جديد؟ لا أعلم، قد يكون ذلك مبالغا فيه، لكن على الأقل إذا ما نظرنا لما يجري حولنا، في الدول المجاورة لنا، وبالنظر إلى التطورات والتحولات السريعة التي جرت والتي لم نكن نتوقعها أو ننتظرها، فإننا سنصل إلى نتيجة مفادها أنّ هذه التطورات تقودنا إلى بداية مرحلة جديدة.

نحن اليوم نشكل إحدى الدول المركزية التي تقع في قلب الشرق الأوسط، ونحن اليوم جيران لمناطق يحتلها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، والذي يشغل اهتمام العالم أجمع، وكما ازدادت المسئولية علينا، وازداد الخطر المحدق بنا، علينا أن نسير بخطوات أسرع من أجل أن نستغل هذه الظروف لصالحنا، ولنكمل طريقنا من أجل تحقيق أهدافنا.

لكننا على ما يبدو نهمل الشرط الأساسي لتحقيق ذلك، وهو حقيقة أن تركيا اليوم دولة ذات أهمية ونفوذ ليس على صعيد المنطقة فحسب، وإنما على صعيد العالم الإسلامي، وعلى الصعيد الدولي أيضا. لهذا فإنّ على الدولة التركية أن تؤمن بقوتها لمواجهة العالم الذي يحاول تأسيس الألاعيب والمؤامرات من أجل التأثير عليها.

في هذه المسألة نحن نعيش مشكلة حقيقية، وأنا دائما أذكر ذلك في كتاباتي، وهو أنّ التطور السياسي والأداء السياسي الذي تقوم بها تركيا، وما يحتويه من مغامرات وقوة وشجاعة، لا يتوافق مع الحياة الفكرية التي نراها من حولها. بمعنى أنّ تركيا تقدم أداء سياسيا ممتازا، لكن إذا ما نظرنا إلى الكتاب والصحفيين سنرى أنهم مقصرون جدا بمواكبة هذه التطورات وهذه الأحداث.

فمثلا، قميص "الدكتاتورية" الذي يحاول البعض إلباسه لتركيا عنوة، هو أحد منتجات هذا التقصير وهذا الخلل، فكل المواقف التي اتخذتها أنقرة في المنطقة، ووقوفها في وجه المؤامرات التي تحاك ضدها، ومعالجة المشاكل المعقدة التي تحيط بها، لم يثير اهتمام القسم الأكبر من هؤلاء، وكل هذه الأفعال لا تنعكس بصورة صحيحة على البعد الأكاديمي أيضا، لأنّ كل هذه التطورات والأحداث لن تستطيع السياسة وحدها تحمل ثقلها.

وخير دليل على ذلك ما جرى في المؤتمر الصحفي للسفير الأمريكي الجديد لدى أنقرة، عندما حاول كل صحفي أن يسأل السفير أسئلة تدعم وجهة نظر الجهة التي يعمل لديها، واستغربنا من طرح أسئلة مثل :"هل تركيا أصبحت دولة دكتاتورية؟ وهل البيت الأبيض عندكم أكبر أم أصغر من القصر الأبيض لدينا؟"، مثل هذه الأسئلة تعكس المستوى الثقافي لدى بعض الصحفيين، بل تعكس مستوى القراءة والكتابة لديهم.

مثل هذه الأعمال وهذه الأفعال هدفها إعادة تركيا إلى مستوى ثقافي متدني كما كانت في الماضي، وهذا الأمر لا يتم باستخدام قوى خارجية، بل عن طريق أذرعهم وأدواتهم في الداخل، وعلى رأسها مثل هذا الإعلام.

هؤلاء لا يدركون حقيقة أنّ أمريكا نفسها بدأت بالبحث عن طرق جديدة للتعامل مع تركيا، وهم الآن يدرسون احتمالية وقابلية أنقرة للعودة إلى سابق عهدها أم لا.

لن نرجع للوراء، لأنه أصلا لا يوجد سبب لكي نتراجع عن المكانة التي وصلنا إليها، ومهما حاول المحاولون، ومهما خطط المخططون، ستبقى تركيا تسير إلى الأمام بثبات نحو تحقيق أهدافها، ولأجل ذلك علينا أن نرفع رؤوسنا عاليا.

عن الكاتب

نصوحي غونغور

كاتب وصحفي تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس