حسين يايمان - صحيفة وطن - ترجمة وتحرير ترك برس
كانت مقولة أردوغان "ما الذي طلبوه منا ولم نعطهم إياه" جملةً عامة ومركبة، ولهذه الجملة شرح طويل. مشهد البلاد بعد الاستفتاء على الدستور عام 2010 كان على النحو الآتي، كانت وزارة التربية والتعليم في الواقع تحت سيطرة حركة غولن، والتي كانت تتحكم أيضا في مجريات القتال ضد حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق البلاد. وحينها كان الوصول إلى مناصب مثل نائب في البرلمان، أو جنرال، أومحافظ، أوحاكم ولاية، أو مدير، أو رئيس قسم، أو وكيل، أو حتى دخول المدرسة العسكرية أو أكاديمية الشرطة، يتطلّب مرجعاً أو واسطةً من حركة غولن.

السبب الرئيسي وراء مقولة "ما الذي طلبوه منا ولم نعطهم اياه" هو أنّ فتح الله غولن كان في الواقع شريكاً في الائتلاف الحكومي، وكان بإمكانه أن يطلب من الوزراء إعادة مدراء الاستخبارات فوراً إلى مناصبهم في حال طردهم من قِبل الحكومة، وذلك عن طريق إدخال الصحفيين والإعلام إلى القضية. لكن الحكومة كانت تُحاصره بهدوء وبطء.

تمت السيطرة على كل الاهداف بشكل تدريجي
حتّى لو كان المجتمع لا يرى إلا طرفاً واحداً فقط من الجبل الجليدي، فقد كانت الدولة تراقب صورةً مختلفةً تماماً.

حركة غولن، التي تريد أن تجمع كل السلطة في يدها دون تحمل أي مسؤولية، كانت دائما على أُهبة الاستعداد. فقد تغلغلت في المدارس العسكرية، وبعد وصولها إلى نُوى المدارس العسكرية، بدأت باستهداف الاستخبارات ثمّ الإعلام ورؤوس الأموال بعد استكمالها قوّتها ضمن الاستخبارات.

كانت الحركة تسعى لتحقيق أهداف من زوايا متعدّدة، فهي تسعى من جهة لتدعيم اتفاقها مع الحكومة، ومن جهة ثانية تسعى إلى إضعاف المجموعات الدينية الأخرى، ومن زاوية ثالثة تخطط لمؤامرات تمكّنها من تولّي مناصب إلى جانب رئيس الوزراء، وإنتاج أدلة مزيفة للقضاء على المنافسين.

ثم جاءت أحداث 17-25 كانون الأول/يناير لتكون دعوةً لاستيقاظ الوطن من كابوس. فقد استُخدِمت المعلومات التي تم الحصول عليها عن طريق التنصت والاستخبارات، في الابتزاز والتهديد ومدّ النفوذ. ولكن ما الذي حصل في النهاية؟ كشفت الحركة التي كانت تسيطر على الوطن بشكل تدريجي عن نيّتها السيطرة على الحكومة، فقد كانت تعيش في حالة من جنون العظمة والثّقة المسمومة بالنّفس. وبعد تلك الحادِثة كُسِر السّحر، وبدأت مرحلة التّحقُق من المشروعية الحقيقية للجماعة لدى الشعب.

قراءةُ الحركة للدولة والتاريخ خاطئة
إنّ قراءة حركة غولن للتاريخ والسياسة والدولة خاطئة جداً. فحتّى هذه اللحظة، لا يزال المتحدثون باسم الحركة يرفعون شعار "الحكومة مؤقّتة ونحن مستمرون"، عبارةٌ خيالية تستخدم لمجرد تعبئة الجماهير بأفكار خاطئة. فبالنسبة لهؤلاء "كان يجب أن تنهار الحكومة قبل مدة طويلة من الآن" ولكن حصل العكس. لقد أصبحوا بمثابة القنّاص الذي استهدف الحاكم ببندقيته ولم يتمكّن من إطلاق النّار عليه. 

وأنا أدعوهم لقراءة قانون (السلطان محمد) الفاتح مرة أخرى، وقراءة ما حل بـ"الانكشارية" الذين حملوا راية الإسلام إلى "فيينا".

هل يعود فتح الله غولن الى الوطن؟
انتشرت في الآونة الأخيرة فكرة تسرُّب خلية مجهولة إلى حركة غولن، وسيطرتها عليها بشكل تدريجي قد يودي بها إلى الهاوية. قامت هذه الخلية بنصب فخ لإيقاع الحركة، وقامت بتوجيهها وأسرها. واليوم وحتّى هذه اللحظة، لا يُمكن التّحقق من صدق هذه الحيثيات إلا بعودة غولن إلى الوطن. لأنّه إن لم يعُد ويُصلِح الوضع ويُصفّي الخلايا المتسرّبة إلى داخل الحركة فإنّ خسارة الحركة ستزيد أكثر فاكثر.

إذا عاد غولن، فستُكشف المؤامرات وتظهر بعض الحقائق المخفية. وسوف يحتمي هو بجناح الشعب. أمّا إذا لم يعُد فسيكون عرضة لأحكام التاريخ التي لا تتغير أبداً.

يتوجب على حركة غولن أن تخرج من سجن بعض الأشخاص الذين يؤثرون عليها مثل المكيافيليين والقوميين، وعليها أن تستمع للشخصيات أمثال "حسين غولرجه" و"هارون طوقاق" و"علاء الدين قايا" و"جمال أوشاق" و"علي تشقلان" الذين هم داخل الحركة منذ بدايتها.

لكن الحركة لن تستمع لكلّ ذلك، وهذه المرة، لن تخسر مشروعيتها وبرائتها أمام الشعب فحسب، بل إنّها ستخسر كلّ شيء لديها. فهم حتى الآن لم يدركوا أنّ المسألة ليست مسألة أردوغان وغولن، إنما هي مسألة الأمن القومي التركي.

عن الكاتب

حسين يايمان

كاتب في صحيفة وطن


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس