جلال سلمي - خاص ترك برس

أوردت صحيفة، خبر ترك التركية، في 18 أيلول/ سبتمبر، نبأ تباحث الرئيسين التركي، رجب طيب أردوغان، والفرنسي، إيمانويل ماكرون، على وضع مبادرة مشتركة للتعاطي مع الاستفتاء المرتقب على استقلال إقليم كردستان عن العراق، مضيفةً أن المبادرة سيتم تباحثها خلال لقاء الطرفين على هامش فعاليات الجمعية العامة.

وطبقاً لما تورده الصحيفة، فإن الخطة تتألف من ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: إطلاق نداء مشترك إلى أربيل بالتخلي عن إجراء الاستفتاء المقرر.

المرحلة الثانية: في حال عدم استجابة الإقليم لهذا النداء، تقوم تركيا وفرنسا بدور الوسيط بين أربيل وبغداد في المسائل المتعلقة بالحقوق الدستورية للإقليم، ومصير المناطق المتنازع عليها مثل كركوك.

المرحلة الثالثة: تقترح تركيا على باريس فرض عدد من العقوبات على الكيان الكردي.

إن طرح تركيا مثل هذه الخطة ينم عن اقتناعها بعدم نجاعة التصعيد المباشر قبل خوض خطوات تفاهم مسبقة.

وفيما تبني المرحلة ضغطًا شبه دولي على الإقليم الذي قد يرى نفسه مقيداً على الصعيدين الإقليمي والدولي، تمنح المرحلة الثانية الإقليم فرصة جيدة لإعادة صياغة مطالبه السياسية والاقتصادية دستورياً، وبدعم دولي يكفل له الاقتراب خطوة أفضل إلى الاستقلال الفيدرالي الذي يكفل له حرية عقد اتفاقيات اقتصادية واجتماعية وإدارية مع الدول الأخرى، ويمنحه فرصة إدارة الإقليم بشكل أكثر استقلالية.

وفي ضوء المرحلة الثالثة، نجد أن تركيا قد تتجه، عقب اجتماع "مجلس الأمن القومي" في 22 أيلول/سبتمبر، نحو خفض المستوى العلاقات الدبلوماسية مع الإقليم، والتلويح بضرورة إجراء عملية تستهدف "إرهابيي حزب العمال الكردستاني" ـ الحزب التركي الكردي المحارب لتركيا ـ الرابضين في جبال قنديل، وتجميد الاتفاقيات الاقتصادية المُوقعة معه، لا سيما تلك المتعلقة بتصدير نفطه نحو الخارج عبر ميناء جيهان التركية.

ولا ريب في أن تركيا حريصة كل الحرص على التشاور مع إيران في إطار تنسيق هذه الخطوات، مخافة أن تؤدي إجراءاتها من طرف واحد، ومن دون التنسيق مع إيران، إلى رجوح كفة الميزان إلى صالح إيران على المدى البعيد، بحيث يرى الإقليم في تركيا دولة لا يُعتمد عليها، ويتجه نحو استخدام إيران كمنفذ بري تجاري بديل له.

لكن الأمر الذي يدفعنا للكثير من التساؤل حول هذه الخطة، هو لماذا التحرك المشترك مع فرنسا تحديداً؟

يكاد خطى تركيا السائر على منهاجي "تنويع العلاقات" و"توزيع الأدوار" في الفترة الحالية هو العامل الأول لاتجاه تركيا نحو التنسيق مع فرنسا.

تُنسق اليوم تركيا عسكرياً مع روسيا في سوريا، لكن روسيا لا تملك نفوذاً ملموساً في العراق، وبالرغم من وجود علاقات تنسيقية وطيدة بينها وبريطانيا، إلا أن بريطانيا لا تملك ذات العلاقات مع الإقليم، وليس لديها نفوذ واضحة في الملف العراقي، والولايات المتحدة على خلاف شديد مع الرؤية التركية حيال المنطقة، حيث ترى الولايات المتحدة في الجماعات الكردية "السورية" مرتكزاً أساسياً لها في سبيل تنفيذ مصالحها، وتخشى تركيا من أن تنفذ الولايات المتحدة ذات السياسة في العراق، وكذلك تدعم إسرائيل المعروفة بعلاقاتها الدبلوماسية الوثيقة مع الولايات المتحدة، وتأثير لوبيها الشديد في مسار عمل مؤسساتها، خطوة الاستقلال، أيضاً راوغت الولايات المتحدة تركيا كثيراً حيال الملف السوري، ما جعل هناك مشكلة ثقة عميقة في العلاقات بينهما.

أما فرنسا فتُعد أكبر الدول الداعمة لجيش إقليم كردستان.

وترغب في الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران التي تخشى هي أيضاً من خطوة انفصال الإقليم التي قد تعود عليها بالقلاقل الداخلية، نظراً لمجتمعها الفسيفسائي الذي يشكل الأكراد قسم كبير منه.

كذلك يرمي الرئيس الفرنسي إلى فتح مجال لسياسته التي ألمح إليها خلال حملته الانتخابية، "سياسة بناء تكتلات اقتصادية وسياسية اتحادية" تفتح المجال أمام فرنسا في عدة مناطق، خاصة منطقة الشرق الأوسط، لإحراز المصالح السياسية بشكلٍ ناعم قليل التكلفة واستراتيجي يرفع من مستوى نفوذها.

إلى جانب ذلك، تُظهر فرنسا خطوات عملية في تنفيذ جزء من سياستها الاستراتيجية الحديثة "توحيد شطري المتوسط" التي تهدف إلى إعادة تقوية الروابط بين أوروبا ودول المتوسط، بهدف تعزيز الأمن المشترك، واستعادة النفوذ التجاري والأمني، وربما التعاون مع تركيا في شأن كردستان يشكل بادرة تفتح لفرنسا باباً لبناء نفوذ في حوض شرق البحر المتوسط، لا سيما وأن فرنسا وتركيا تملكان "مصالح بينية مشتركة" في هذا الحوض، تتجلى في الرغبة المشتركة لكسر احتكار النفوذ الروسي.

وأخيراً ينعدم الوجود الروسي الذي يشكل المنافس الأول للدول الأوروبية، في الإقليم، ويخفت الدور الأمريكي، ما يجعل الفرصة سانحة أمام فرنسا لأخذ هذا الدور.

في المحصلة، تبقى إيجابية أو سلبية هذه الخطوة رهن وعي الإقليم بأهمية التمتع بعقلانية أمام الأمواج الضاربة لخطوته في الاستفتاء حول الاستقلال.

وستكشف نتائج اجتماع "مجلس الأمن القومي" التركي، 22 أيلول/سبتمبر، عن مدى نجاعة المبادرة في إقناع قيادة الإقليم بالتراجع عن خطوتها، فإن كانت نتائج تصعيدية، إذن الخطة فاشلة، وإن كانت نتائج مخففة فستكون المبادرة قد آتت أكلها.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس