ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

لا زالت تداعيات القرارات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية ليلة الأحد الموافق الرابع من نوفمبر الجاري تحرك سواكن المملكة التي اعتادت على بطئ حراكها السياسي والاجتماعي على الرغم مما عرفته من تسارع القفزات الاقتصادية سواء للأمام مع ارتفاع سعر النفط أو بالعكس مع تراجع أسعاره.

فالقرارات التي شملت شخصيات تمثل أركان الدولة على المستوى السياسي والعسكري مع إجراءات موازية تمثلت في تكميم الأفواه و تأميم الإعلام للتأكد من أن المعارضة لتلك القرارات لن تجد لها منبر والذي تمثل في اعتقال مالكي قنوات (mbc) و (روتانا) و (art) يعد خطوة كبيرة نحو خريطة السياسة المقبلة عليها المملكة.

ومع محاولات ولي العهد للانفتاح على العالم اقتصاديا سواء بمشروع المملكة الذي دشنه والذي حمل اسم رؤية المملكة عام 2030 وكذا ما أعلن عنه من مشروع نيوم الطموح والذي يأخذ الخيال لما هو أبعد من إمكانيات الكادر البشري والمادي للمملكة، تأتي خطوة اعتقال كبار رجالات الاقتصاد في المملكة ضمن قرارات الأحد الفارق.

حتى بعد الإفراج عن رجال الأعمال والأمراء السبعة بالقرار الذي أصدره النائب العام، فإن خوف المستثمر يظل باديا أمامه، فاعتقال رجال أعمال ثقال في المملكة  مثل بكر بن لادن مالك مجموعة شركات بن لادن وكذا سليمان الراجحي مالك مجموعة شركات الراجحي والعديد من أمراء العائلة المالكة  والنافذين والمؤثرين في الاقتصاد السعودي على رأسهم الأمير الوليد بن طلال أحد أكثر رجال الأعمال تأثيرًا وثقلا في الاقتصاد السعودي والشريك في مشاريع عالمية كبيرة مثل أبل و جوجل والذي بلغت ثروته، بحسب آخر إحصائية لمجلة فوربس الأمريكية، 17.2 مليار دولار، بالإضافة إلى مهندس مشروع المملكة الطموح الذي قدمه ولي العهد  رؤية 2030 بما حمل من مشروعات اقتصادية طموحة المهندس عادل بن محمد فقيه  وزير الاقتصاد والتخطيط يجعل  من القرارات التي اتخذتها اللجنة العليا لمكافحة الفساد والتي تشكلت في نفس ليلة الاعتقالات والتي يترأسها ولي العهد بنفسه والتي لا يقبل الطعن على قراراتها ، بمثابة فزاعة للمستثمر السعودي وكذا المستثمر الأجنبي الذي لا يأمن على نفسه من قرارات لجنة ليست قضائية ولا يجوز الطعن على قراراتها.

وللتأكيد على خطورة تلك القرارات التي اتخذتها اللجنة العليا لمكافحة الفساد، علينا أن نراقب أسعار الطاقة (النفط والغاز)، وحركة البورصات والأسواق المالية هبوطا أو صعودا، وهذا هو التيرمومتر الأهم والأكثر دقة في العالم ، فإن كانت أسعار النفط وصلت اليوم إلى أعلى معدلاتها منذ عامين، فإنه ومع ذلك تجد البورصة السعودية واصلت تراجعها بشكل لافت منذ تلك القرارات، والتي قدرت بحوالي 3 % من قيمتها، مع حركة كبيرة للبيع فاقت حركة الشراء، وهو ما يؤشر إلى هروب جماعي للمستثمرين سواء المحليين أو الأجانب من السوق السعودي.

و من نافلة القول أن نقول أن وجود هزات في البورصة السعودية قد تؤثر علي الوضع الاقتصادي بالسلب علي مستوي الاقتصاد الكلي خاصة في حالة التطبيق الفعلي للسحب والاستيلاء علي الأصول والأموال لمستثمرين كبار مثل الذين شملتهم قرارات الاعتقال، لاسيما وأن المملكة ستواجه صعوبات كبيرة في استرداد الأموال والأصول الخاصة برجال الأعمال المعتقلين بالخارج لأن قرار لجنتها العليا تفتقد إلي قواعد قانونية وإجرائية يجب توافرها حتى تسمح دول الإيداع من رد هذه الثروات ، وهو ما يعني أن المملكة ستجد صعوبة كبيرة لاستعادة توازن السوق وتهيئة مناخ استثماري حتى ولو مكذوب لاستيعاب مستثمرين جدد يغطون طموحاتها في المشروعات المعلن عنها، لاسيما وأن هناك أنباء عن مواجهة محتملة سواء مباشرة أو غير مباشرة بين المملكة وإيران ، وهو عامل سلبي مضاف إلى توابع قرارات ليلة الأحد.

وهنا يجدر السؤال حول هذه الأموال التي ستهرب من المملكة العربية السعودية أو تلك التي كانت تخطط في الاستثمار فيها ، أين يمكن لها أن تذهب؟

الأقرب لتلك الاستثمارات من وجهة نظر المتخصصين، ستكون تركيا ذلك البلد الصاعد اقتصاديا والمستقر سياسيا وقانونيا مع إجراءات يسيرة للمستثمرين رفعت فيها عقبات البيروقراطية أعلنت عنها الحكومة التركية خلال الأشهر الماضية ، والتي منها تلك البطاقة التركوازية التي تمنح المستثمر إقامة مستقرة في تركيا لثلاثة سنوات وتؤهله لنيل الجنسية ، وهو ما يمكن أن يكون دافع أكبر لتلك الاستثمارات للهروب باستثماراتهم و عائلاتهم إلى دولة راسخة القوانين ومعروفة الإجراءات ، مفتوحة السوق في إطار تنافسي يسع الجميع بغير احتكار ، مع بيانات شفافة من الدولة لنسب التضخم و كذا سياسة ضريبية واضحة تمكن المستثمر من وضع دراسة مشروعه على أسس لا تخشى المجهول من نزعات الأفراد ولا أهواء المسؤولين.

وهو في النهاية يعني أن تلك القرارات التي اتخذت في المملكة العربية السعودية لن تعود بالنفع على اقتصادها وإن حاول المسئولون فيها إظهارها بمظهر تهيئة الأجواء وتمهيد الأرض للاستثمارات ، فإن رأس المال الذي يرنو إلى الاستقرار لن يجد ملاذ أمن أكثر من تركيا ليستثمر فيه.

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس