فراس رضوان أوغلو - خاص ترك برس

مرة أخرى تثبت تركيا بأنها على قدر المسؤولية وأنها في قلب العالم الإسلامي وأنها نصيرة للمظلومين ماديا ومعنويا، وما إعلان الحداد ليوم واحد تضامنا مع مصر وشعبها بعد تعرضها لأقوى ضربة أرهابية تجاوز عدد شهدائها الثلاثمئة إلا دليلاً واضحاً على سياستها تلك، في وقت ظن فيه الكثيرون ان العلاقات التركية المصرية سوف تتجه نحو الأسوء وخاصة بعد إجراء مصر لمناورات عسكرية مع اليونان في جزيرة رودس مطلع هذا الشهر وإنزعاج تركيا ورفضها لإقامة تلك التدريبات على جزيرة يفترض بها حسب معاهدة باريس بأن تكون أرض منزوعة السلاح علاوة على تصريحات مصر الداعمة لليونان على حساب تركيا في القضية القبرصية وأخرها اعتقال الأمن المصري لـ 29 شخصا متهمون بالتخابر مع تركيا.

الرسالة التي أرادت تركيا ايصالها للشعب المصري أولا وللعالم ثانيا أنه رغم الخلاف بين البلدين في الملف السياسي إلا أن هذا لا يمنع أن تكون العلاقات بين البلدين في الملفات الأخرى قائمة بل والتعاون فيها جارٍ على قدم وساق وأنه لا يجب خلط الملفات فيما بينها، وما دعوة تركيا لوفد مصري لحضور مؤتمر اقتصادي منتصف هذا الشهر إلا مبادرة منها لإنعاش التبادل الاقتصادي بين البلدين والذي ستكون انعكاساته على المواطن بشكل مباشر، وبأن تركيا تقف مع الشعب المصري بمختلف إنتمائاته السياسية والفكرية على عكس ما يشاع عنها وأنها ضد الإرهاب مهما كان وأينما كان وأن كل المخطاطات التي تحاك في المنطقة من أجل تدمير العالم الإسلامي وتفتيته مقروءة لديها.

ويأتي إعلان الحداد في يوم انطلاق أعمال أول اجتماع لمجلس وزراء دفاع التحالف الاسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب والذي تقوده المملكة العربية السعودية وفي هذا دلالة واضحة على الدعم التركي للمملكة  لهذا التحالف (بعيداً عن الخلاف القطري السعودي و الخلاف التركي المصري)، ويتزامن هذا الإعلان مع إعلان وزارة الدفاع التركية عن استعدادها لدعم التحالف الإسلامي وبهذا تؤكد تركيا  أنها جادة في طرحها وأنه آن الأوان لتحييد الخلافات السياسية جانباً والتوجه نحو التعاون إسلامياً كان أم إقليمياً لمحاربة هذه الآفة، وأنها بدأت فعلياً بإتخاذ خطوات لمحاربة الجماعات الجهادية المتشددة ذات الفكر التكفيري، إن كان في تدخلها في سوريا أو مواجهتها له في الصومال فالتفجير الذي حصل في الصومال حاصداً مئات من الأرواح البريئة يشبه بصورة كبيرة لما حصل في سيناء مصر من حيث عدد الضحايا المرتفع واللارحمة في قتل الأبرياء، ولعل هذا التعاون (الذي طرحته تركيا) يكون الأرضية الثانية بعد الاقتصاد في التمهيد لعودة العلاقات بين تركيا ومصر لحجمها الطبيعي بين دولتين كبيرتين فأبواب السياسة دائماً مفتوحة كما قال الرئيس أردوغان علاوة على ذلك أن تصاعد العمليات الإرهابية في مصر بدأ يقلق تركيا وهذا ما صرح به أردوغان أن هناك مخططات لتقسيم المنطقة ونشر الفوضى فيها وهذه المخططات تشمل تركيا فحادثة وضع إشارات على بيوت يسكنها علويون (في ملاطية) هي إحدى تلك الخطوات الإستفزازية والتحريضية من أجل نشر الصراعات المذهبية أو الإثنية التي أفشلتها تركيا عبر ديمقراطيتها أولاً وأجهزتها الأمنية ثانياً و وعي مواطنيها لتلك المخطاطات ثالثاً.

عن الكاتب

فراس رضوان أوغلو

دبلوم تاريخ في العلاقات السياسية في القرن الثامن عشر، كاتب ومحلل سياسي تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس