ترك برس - ديلي صباح

منذ ما يقرب المئة عام، في 13 كانون الأول 1914، أُغرِقت السفينة الحربية العثمانية "المسعودية" من قبل الغواصة البريطانية B-11. قبل أسابيع، كان السلطان العثماني قد أعلن الجهاد بعد إعلان بريطانيا وفرنسا الحرب على الإمبراطورية العثمانية. كانت سنة 1915 مليئة بالمواجهات والحروب العنيفة كإحدى أكثر الأعوام التي عاشتها الإمبراطورية دموية. ووسط هذا الجو المليء بالعُنف، كانت هناك حرب أخرى يتمّ التحضير لها لكسب قلوب وعقول المواطنين الذين يعيشون في المناطق المركزية والقريبة من الجبهة، وإقناعهم بقبول منطق هذه الحرب الكارثية. عُيّن الرسام وليهيلم فيكتور كراوز "رسّاماً للحرب" من قبل مكتب الرفاه الاجتماعي في وزارة الحرب في إمبراطورية النمسا والمجر وأُرسِل إلى جبهتي إسطنبول وتشنق قلعة حيث رسم أول الصّور المعروفة لمصطفى كمال أتاتورك. وقد وقّع النّجم الصاعد للجيش العثماني الصّورة باللغة العثمانية. هذه الرّسمة هي إحدى عشرات الوثائق والأعمال الفنية والأشياء المعروضة في معرض "البروباغاندا والحرب: الجبهة المركزية خلال الحرب العالمية الأولى" في مركز أبحاث حضارات الأناضول في جامعة كوتش ANAMED.

تحدّث منسّق المعرض بهاء الدين أوزتونجاي عن التحضير الدّقيق للمعرض الذي استغرق سنوات عديدة قائلاً: "كان إحضار الميداليات، والبطاقات البريدية، والتذكارات، والكتب والصور، والتي أُنتِج أغلبها في ألمانيا والنمسا، عملية تتطلّب قدراً من الصبر. الحرب والبروباغاندا موضوعان يجذبان اهتمامنا منذ وقت طويل. أنا خريج الثانوية النمساوية في إسطنبول وجامعة فينّا التقنية في النّمسا. قُمت بتحضير المعرض في قصر "إبستاين" في النّمسا في عام 2006. وكان جزء كبير من المعرض مخصّصاً لمفهوم حرب البروباغاندا. وقد عرضنا نفس المعرض في معرض وزارة الخارجية في أنقرة وفي قصر دولما بهتشة".

قام أوزتونجاي كذلك بتحرير كاتالوج يضمّ مقالات لأدهم إلدِم وسنان كونيرالب، وكتابة مقدّمة له. يضمّ الكاتالوج كذلك صوراً لكل الميداليات، والدبابيس، وتذكارات الحرب، والبطاقات البريدية، والصور الفوتوغرافية والملصقات المعروضة في ANAMED. يعدّ وسام الحرب العثماني أهمّ هذه المواد. وفقاً للكاتالوج، فإنّ الوسام "يمكن فهمه على أنّه ترجمة مصوّرة ناجحة جداً للصليب الحديدي الألماني. لم يذهب العثمانيون بعيداً لتسمية وسامهم النّجمة الحديدية (Demir Yıldız)، إلا أنّ الألمان تبنّوا تلك التسمية، فبالألمانية كان الوسام العثماني يسمّى بالعامّية (the Eiserner Halbmond) أو الهلال الحديدي".

توجد في المعرض كذلك صور لقادة الجيش العثمانيين والألمان وهم يتصافحون ويهنّئون بعضهم على تحالفهم، الأمر الذي يبدو مريحاً بالنظر إليه في أيامنا بعد أن كان ذلك التحالف محكوماً عليه بالفشل. في إحدى صور البروباغاندا، يتسلّق الأطفال الأتراك والنمساويون والألمان على مدفع حربي، ويلوّحون بأعلامهم كرمز للأخوة بين الإمبراطوريات الثلاث. صورةٌ أُخرى تظهر مشاهد من برلين وفينّّا وإسطنبول إلى جانب صور لملوكهم ومعاطفهم الإمبراطورية للأسلحة. وكان على رأس هؤلاء المسؤولين وزير الحرب العثماني أنور باشا، الذي ربّما كان في عمر 34 عاماً أقوى رجل في الإمبراطورية، وكان مسؤولاً عن هندسة التحالف الألماني العثماني. تظهر صورة أنور باشا على عدد من الدوريات وقصاصات الصّحف، ويمكن مشاهدته في مقطع فيديو بعنوان "Der Kaiser bei unseren türkischen Verbündeten القيصر لدى حلفائنا الأتراك" الذي يُظهِر القيصر في زيارة إلى معالم الإمبراطورية العثمانية بما فيها آيا صوفيا، وجسر غلطة، والسّفن الحربية. وثيقة جذّابة أخرى في كاتالوج المعرض، هي نداء الخليفة العثماني للجهاد، والذي اعتُقِد أنّه سيساعد التّحالف في الانتصار في الحرب.

تطرّق أوزتونجاي كيف أنّ بروباغاندا الحرب كان لها أثر قليل على مواضيع الإمبراطورية العثمانية، قائلاً: "عدد الّذين كانوا يتقنون القراءة والكتابة ويمكنهم قراءة الدّوريات كان قليلاً جداً. وفي النهاية، كان هذا مجتمعاً يقلّ فيه عدد القادرين على القراءة والكتابة عن 10% في سنوات الحرب. وهذا هو السبب وراء اختراع أدوات البروباغاندا هذه لإظهار الإسلام والشعب التركي متعاطفين قدر الإمكان مع المواطنين النّمساويين والأتراك".

يستمرّ هذا المعرض حتّى 22 آذار/ مارس 2015. وقد أعدّ فريق أوزتونجاي مؤتمراً تاريخياً سيكون من بين متحدّثيه أدهم إلدِم، وأيهان أكتار، وسنان كونيرالب، ونازان مكسوديان، وييغيت آكين، وسنان نيازي أوغلو، وإرول كوروغلو، وبينجامين فورتنا ويوجين روجان. وتعدّ زيارة المعرض، وقراءة الكاتالوج إضافة إلى الذهاب إلى المؤتمرات طرقاً عظيمةً للتعرّف على تلك السّنة العنيفة وتلك الحرب الكارثية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!