ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

في عام 1955 وبقيادة بريطانية طرحت الولايات المتحدة الأمريكية فكرة إنشاء حلف بغداد، والذي تزامن مع الحرب الباردة التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية بين الكتلة الغربية الرأسمالية وبين الكتلة الشرقية الشيوعية، وضم في حينها كلا من بريطانيا والعراق وتركيا وإيران وباكستان، برعاية أمريكية بعد أن تعهدت بتقديم العون الاقتصادي والعسكري لأعضاء الحلف، ورغم أن الحلف أحد أقل الأحلاف نجاحاً في فترة الحرب الباردة، حيث انسحب العراق من الحلف بعد إعلان ثورة تموز 1958 بقيادة عبد الكريم قاسم وإعلان الجمهورية واتخاذ قاسم سياسة محايدة، مقيما علاقات دبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي.

كما نأى الحلف عن الصراع العربي مع الكيان الصهيوني، وامتنع عن مد العون لباكستان في صراعها مع الهند وبعد العملية العسكرية التركية في قبرص عام 1974 أوقفت أمريكا مساعداتها العسكرية لتركيا، ومن ثم فشل الهدف الذي أسس الحلف من أجله، في وقت وسعت كل من مصر وسوريا واليمن الشمالي وأختها الجنوبية في توسيع علاقاتها مع الاتحاد السوفيتي، ومع اندلاع الثورة في إيران في 1979 ومعادتها لأمريكا انحازت القيادة الإيرانية الجديدة للاتحاد السوفيتي، وهو ما أجهز على الحلف إكلينيكيا.

الحراك الأمريكي المتسارع خلال الأيام الماضية، حرك معه التاريخ، فزيارات مكوكية لمستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، والتي تبعتها جولة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في المنطقة، والذي يسبق القمة الدولية في بولندا بشأن إيران منتصف الشهر المقبل والتي سيشارك فيها العرب بقوة، كما أن تصريحات كل من مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية الأمريكيين، والتي ذهبت باتجاه إيران، والحديث المتواصل عن الناتو العربي، وحرص أمريكا على إنجاح القمة المنتظرة، والتي ستختلف في مضمونها عن تلك التي اتخذت فيها أمريكا موقف الداعم ماديا وعسكريا في حلف بغداد الأول.

فتحت إدارة ترامب كل الأمور تصب في سحب مزيد من عائدات خزان النفط الخليجي، وخزان البشر المصري، لكن هل هذا الحلف يستهدف إيران بالفعل، الظاهر والتصريحات والأهداف المعلنة تقول إن الحلف يتسق مع المعلن من السياسة الأمريكية والذي أتبعه عقوبات رءاها المتخصصون هزلية ولن تنتج أثرها رغم الضجة الإعلامية التي صاحبتها من الدول العربية.

الناظر للمشروع الإيران بتمعن يجده دولة خنجر، تضرب الخاصرة الشرقية للأمة العربية السنية، تلعب دور الإنهاك المادي والبشري والاقتصادي والعسكري لهذه الأمة، فبمراجعة بسيطة لتاريخ إيران نجد أن هذا الوصف يصدق عليها بامتياز، ومع الوضع في الاعتبار أن لإيران مشروعا توسعيا، لا تمانع أمريكا في تنفيذه تحت رعايتها وبسيطرة كاملة من أجهزتها الاستخباراتية، فإن الحرب على إيران أبعد ما تكون مرحليا.
فإن المستهدف كما يبدو تركيا وليس إيران.

قد يرى البعض أن هذا السيناريو مستبعد لاسيما أن تركيا حليف في الناتو ويتأكد بالتواصل بين القيادة الأمريكية والتركية، فالاتصال الذي جرى بين الرئيس اردوغان ونظيره الأمريكي، والتفاهم على التباحث في الشأن السوري ورفع العلاقات التجارية إلى أعلى مستوى، مع ذلك فإنه من المحتمل أن يكون هذا تكتيكا أمريكيا لتبريد المشهد لحين اختبار الحلف الجديد، إذ أن العلاقات التركية - الامريكية بعد محاولة الانقلاب متذبذبة، لذا فإن المؤشرات تذهب للسيناريو المطروح.

فإن كانت إيران هي دولة وظيفية لضرب السنة في المنطقة فإن المشروع التركي المتنامي يقف عائقا كبيرا أمام المشروعين الأمريكي والإيراني في المنطقة، والناظر إلى قرار أمريكا بسحب قواتها من سوريا وما يتبعها من تقسيم سوريا وهو المشروع الذي تقف ضده تركيا بقوة، فإن تغريدة ترامب التي تهدد فيها تركيا إن هي منعت مشروع تقسيم سوريا، التي تبات في حضن إيران، يؤكد أن لأمريكا خطة بعيدة المدى من هذا الحلف الذي تؤسسه، والذي هرولت الأنظمة الوظيفية في مصر وغيرها إلى التبشير به، مدفوعة من دول الدعم المالي، السعودية والإمارات، والذي من المتوقع أن يملأ الفراغ في سوريا كما هو مرسوم، وعندما نضع في الاعتبار تلك الخلافات التي تجمع هذا المحور ضد تركيا تبقى نظرية استهداف تركيا بهذا الحلف واردة، وقد يكون الاستهداف غير مباشر، من خلال ضرب المصالح التركية – الإيرانية خنقا للاقتصاد التركي الذي يعاني منذ عام، مع تأخر مشروع السيل التركي لمد تركيا بالغاز الروسي، هو كفيل خلال عامين مع ضغوط اقتصادية أمريكية على تركيا لإسقاط الإدارة التركية.

لكن في المقابل يبقى التساؤل حول مستقبل هذا الحلف، وهل سيجد مصير حلف بغداد؟

أتوقع أن يفشل الحلف، لوجود أسباب فنائه في داخله، في ظل الأطماع الأمريكية في أموال الخليج دون النظر إلى النتائج الكارثية التي يمكن أن يحدثها هذا الحلف، رغم وجود الرافعة الصهيونية للحفاظ عليه، حيث أنها المستفيد الأكبر من بقائه، إلا أن الرهان على بقاء ترامب نفسه وإدارته هو رهان خاسر، كما أن الوعي الشعبي العربي والإسلامي يمكن أن يفجر الأوضاع في داخل بلدان هذا الحلف الذي يريد أن يقضي على آخر قوة سنية في المنطقة.                  

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس