محمود سمير الرنتيسي - نون بوست

اعتاد حزب العدالة والتنمية على الكشف عن الإعلان/ البيان الانتخابي المانفيستو قبيل كل انتخابات وقد قام يوم الخميس بإعلان المانفيستو الخاص بالانتخابات البلدية المزمع عقدها في 31 مارس 2019 وسط منافسة مع أحزاب المعارضة الأخرى متسلحا بتحالفه مع حزب الحركة القومية وبتسمية شخصيات قوية للبلديات الكبرى.

وحرصا على ابقاء صورة الحزب حاضرة على الأجندة الداخلية التركية قام رئيس الحزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعلان البيان الانتخابي بنفسه وقد وفر تأكيد أردوغان على أن البيان هذه المرة يختلف عن المرات السابقة اهتماما أكبر به حيث قال أردوغان "نطلق رؤية جديدة للمدن الحديثة تختلف تماما عن كل ما سبقها".

وقد لوحظ بشكل كاف أن البيان الانتخابي يستهدف تغيير أوجه المدن وقد أشرنا لهذا سابقا في مقال نشر في نون بوست في نوفمبر 2018 بعنوان الانتخابات البلدية والمنافسة على تغيير أوجه المدن حيث أن المعارضة التركية أيضا قامت إزاء إعلان أردوغان تخصيص حدائق كبرى في كافة المدن وتحويل جزء من مطار أتاتورك إلى أكبر حديقة في تركيا هي الأخرى بالتعهد بالعمل على "تغيير وجهي المدينتين إلى الأبد خلال 5 سنوات"، وقد قال زعيم الحزب كمال كيليتشدار أوغلو: "سننجز عملية التحول الحضري في إسطنبول في أقصر وقت وفقًا للاحتياجات العلمية، وستكون مدينة مليئة بالمساحات الخضراء، وكذلك المدارس والمستشفيات المقاومة للزلازل"، مشددًا على أن المدينة التي كانت عاصمة لثلاث حضارات رئيسية، "تستحق حماية أفضل لمبانيها التاريخية من زحف المباني الشاهقة غير المنظمة في السنوات القليلة الماضية".

وفيما جاءت وعود الأحزاب المعارضة في صورة تصريحات فقد جاءت تصورات حزب العدالة والتنمية في صورة بنود تم اختيارها وصياغتها بعناية شديدة في إطار البيان الانتخابي الذي احتوى على 11 بندا هي:

البند الأول "مخططات المدن"، وبناء عليه سيتم إعداد مخططات المدن على المدى الطويل ووفقًا لحقوق المواطن، ولن يُسمح أبدًا بتغيير المخططات بهدف استغلال الأراضي.

البند الثاني "البنية التحتية والمواصلات" ينص على حل شامل لمشاكل البنى التحتية والمواصلات في كافة المدن.

البند الثالث "التحول العمراني" يشير إلى أن أعمال التحول ستجري وفق خصائص المنطقة واحتياجات السكان، وإلى وضع مشاريع لحماية المدن من أخطار الزلازل والبناء العشوائي.

البند الرابع "مدن لا مثيل لها" يشتمل على مبدأ تطوير المدن بموجب هذا المفهوم وبما يتوافق مع طبيعة المدن نفسها.

لن يسمح بمشاريع لا تتوافق من الناحية الجمالية ولا تسهم في الثراء الثقافي للمدينة. ستصبح الأبنية والأمكنة التاريخية جزء من الحياة اليومية.

البند الخامس "المدن الذكية"، ينص على وضع كل التطبيقات والإمكانيات التكنولوجية في خدمة الإنسان والمدن.

البند السادس "مدن تحترم البيئة" يفرض الانسجام في خدمات البلدية مع جميع الكائنات الحية وغير الحية في هذه المدن، وفي هذا الإطار زيادة عدد منتزهات الشعب والحيلولة دون تلوث البيئة بالمخلفات الناجمة عن الاستهلاك.

البند السابع "الأنشطة الإجتماعية للبلديات" يتضمن زيادة الخدمات والمشاريع ذات العلاقة المباشرة مع الإنسان في عمل البلديات.

البند الثامن "العمران الأفقي" سيتم بموجبه تأسيس مناطق سكنية متناغمة مع الطبيعة وتحيي ثقافة الأسرة والحي والجوار.

البند التاسع "الإدارة مع الشعب سويًّا"، سيكون اتخاذ القرارات الهامة المتعلقة بالمدينة بالاشتراك مع سكانها.

البند العاشر "التوفير والشفافية"، وفق هذا البند فإن موارد البلديات ستُستخدم بشكل صحيح وعلني.

البند الحادي عشر "مدن تصنع القيم"، يهدف لوضع مقاربات ترفع جودة الحياة في كافة المجالات، وفي طليعتها الثقافة والاقتصاد.

ومن خلال فحص البنود السابقة يتضح أن الأغلبية العظمى من المعاني والأهداف التي وردت في بنود البيان الانتخابي تتحدث عن تغيير أوجه المدن بما يشمل ذلك من خدمات تقدمها البلديات للمواطنين على صعيد المظهر والبيئة والمواصلات والثقافة والتكنولوجيا والتطوير وحتى الاقتصاد ولكن أيضا يشير البند التاسع بعنوان "الإدارة مع الشعب سويا" إلى معنى سياسي يتعلق بالمشاركة مع الشعب في شئون الإدارة فيما يتعلق بالقرارات المتعلقة بمدنهم وهذا بند يعطيه الشعب التركي اهتماما كبيرا.

من الواضح أيضا أن البلديات ستعمل على حل مشاكل متعلقة بالمواصلات والتلوث وستنفذ مشاريع تقوم بمساعدة الاقتصاد في ظل وجود مشاكل تتعلق ببنية الاقتصاد من خلال توفير الموارد وإدارتها بشكل صحيح حيث يتحدث البند العاشر بشكل واضح عن توفير الموارد كذلك يشير بند المدن الذكية والمدن التي تحترم البيئة إلى معان مشابهة.

من المهم جدا لحزب العدالة والتنمية الفوز بأكبر عدد من البلديات حيث لا يكتفي الحزب بكونه الحزب الحاكم بل يحتاج إلى البلديات لتنفيذ سياساته الداخلية بشكل مريح بما ينسجم مع سياساته العامة ولعل موضوع الاقتصاد والمشاريع الداخلية التي تنفذها البلديات جزء مهم من هذا المفهوم.

وكما هو من المعلوم أن السياسة الخارجية لأي بلد ترتبط بالسياسة الداخلية حيث أن استقرار السياسة الداخلية وتمكن الحزب الحاكم من إدارة القضايا الداخلية بشكل سليم يعطيه قوة وزخما كبيرا في إدارة قضايا السياسة الخارجية وهو ما سيقوم حزب العدالة بالسعي بكل قوته لتحقيقه بالرغم من منافسته مع 3 أحزاب معارضة هي الشعب الجمهوري والحزب الجديد ككتلة وحزب الشعوب الديمقراطية حتى في ظل سعي هذه الأحزاب للوصول لصيغ تفاهم ولو ضمنية بهدف كسب هذه المنافسة الديمقراطية.

في الحقيقة نجح حزب العدالة والتنمية ولمع نجمه من خلال نجاح زعيمه رجب طيب أردوغان في رسم نموذج رائع في رئاسة بلدية اسطنبول وحل مشاكل المدينة وسيبقى الحزب يعمل على كسب الجمهور من خلال النجاح المحلي في البلديات ولدى الحزب كوادر قوية وناجحة أصبحت رموزا مثل فاطمة شاهين رئيسة بلدية غازي عنتاب وغيرها وحاليا عندما يقدم حزب العدالة هذه الحزمة من البنود الراقية من الأهداف فهو يصعب المنافسة على الأحزاب المعارضة له كما يصعب المنافسة على نفسه ويعيد هذا إلى الذاكرة ما قاله أحد نواب الحزب في معرض نقده لأحزاب المعارضة وضعفها أن حزب العدالة يتنافس مع نفسه بمعنى أن بياناته الانتخابية الجديدة تتنافس مع القديمة.

عن الكاتب

محمود سمير الرنتيسي

باحث في مركز سيتا للدراسات بأنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس