ترك برس

قال المحلل الدفاعي التركي، جان كساب أوغلو، إن روسيا ليست حليفا لتركيا، ولكن سياسات حلف الناتو الرافضة لتزويد تركيا بأسلحة دفاعية متطورة لمواجهة تهديد الجماعات الإرهابية على حدودها، هو ما دفع تركيا لشراء منظومة الدفاع الجوي الروسي إس 400، مستبعدا أن تتراجع تركيا عن الصفقة بسبب الضغوط الغربية.

وفي مقال تحليلي مطول نشرته وكالة الأناضول، كتب المحلل في مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية في إسطنبول، إن السبب الرئيسي وراء شراء تركيا لمنظومة الدفاع الروسية المتطورة يظل الخطأ الكبير الذي ارتكبته دبلوماسية الدفاع الغربية في طريقة تعامها مع أنقرة.

أهمية تركيا للناتو تتجاوز المشتريات الدفاعية

وقبل التطرق إلي أسانيد تركيا في شراء الصواريخ الروسية، يلفت كساب أوغلو إلى أن المحللين العسكريين والعسكريين الغربيين يرتكبون خطأ فادحا حين يقلصون علاقات تركيا الجيوسياسية مع الناتو في إطار المشتريات العسكرية أو السياسة اليومية، لأن الواقع يختلف عن ذلك التبسيط المخل.

ويوضح أن دول حلف الناتو لم تقدم يد العون لجورجيا إبان التدخل الروسي في عام 2008. في الوقت الذي كانت فيه صفقة S-400 مطروحة بالفعل، وكانت تركيا هي عضو الناتو الوحيد الذي قدم الدعم لجورجيا.

وبالمثل كانت تركيا هي عضو الناتو التي لها حضور بارز في أذربيجان وأوكرانيا، سواء في مواجهة نشر الصواريخ الروسية في أرمينيا، أو تزويد أوكرانيا بطائرات بايراقتار بدون طيار بدون قيود على التشغيل للتعامل مع نظام أسلحة دفاعي استراتيجي روسي بمليارات الدولارات.

وعلاوة على ذلك فإن الدور التركي هو الأوضح بين جميع دول الناتو في أفغانستان، وللبحرية التركية مساهمات كبيرة في عمليات مكافحة القرصنة والاتجار بالبشر عبر القرن الإفريقي والبحر المتوسط​​، وفي دول البلقان.

لماذا أخفقت الدبلوماسية الدفاعية الغربية في صفقة إس 400

ويلفت كساب أوغلو إلى أن منظومة الدفاع الجوي الروسي إس 300، وفقا للمصادر الدفاعية الروسية، وحتى الكتابات الغربية، هي أفضل سلاح لحماية المناطق المدنية، بفضل قدرته على الحركة والمرونة في الحرب الإلكترونية، كما أنه يعد السلاح المفضل لمخططي الدفاع الروس لحماية العاصمة موسكو فضلًا عن حماية وحداتهم في سوريا.

ومع ذلك، والكلام للمحلل التركي، فإن الوضع المستقل للمنظومة الروسية، وعدم دمجها في نظام الناتو، سيحد من قدرتها، وهذا من شأنه أن يحولها إلى سلاح دفاع جوي وحيد بتكاليف اقتصادية وسياسية كبيرة. وعلاوة على ذلك يبدو نظام الأسلحة الاستراتيجية الدفاعية المستقلة في عصر الحرب المركزة على الشبكات (network-centric warfare) حلا غير عملي.

ويتساءل كساب أوغلو لماذا قررت أنقرة رغم ذلك شراء الصواريخ الروسية؟

ويجيب بأنه كان على تركيا دائمًا التعامل مع بيئة إشكالية للغاية عندما يتعلق الأمر ببرامج انتشار الصواريخ الباليستية وأسلحة الدمار الشامل على حدودها. والأهم من ذلك أن عمليات نقل الخبرات الصاروخية من كوريا الشمالية إلى جيران تركيا ما تزال مستمرة.

وعلى سبيل المثال، في عام 2005، قام الجيش السوري بتجربة إطلاق صاروخ سكود-D من أصل كوري شمالي في وضع الانفجار الجوي، وهو صاروخ باليستي يبلغ مداه 700 كيلومتر، ومناسب لإيصال الحمولات الكيميائية والبيولوجية، وسقط أحد الصواريخ على بلدة هاتاي الحدودية التركية.

وفي عام 2011، هدد كبار قادة الحرس الثوري الإيراني علانية باستهداف قاعدة رادار الناتو في كوريجيك بتركيا. ولكن تركيا الدولة الوحيدة في الناتو التي تواجه مباشرة تهديد الصواريخ في الشرق الأوسط لم تأخذ فرصًا لنقل التكنولوجيا والإنتاج المشترك لتطوير قدراتها الدفاعية الوطنية من الصواريخ البالستية.

ويضيف كساب أوغلو أن تركيا عندما احتاجت إلى طائرات مسلحة بدون طيار، لم يكن الكونغرس الأمريكي متحمسًا للصفقة. وعندما احتاجت تركيا إلى طائرات مروجية هجومية إضافية، كان الحصول عليها صعبًا وكأن أنقرة أنقرة تطلب قاذفات نووية. وخلال التسعينيات، عندما واجه الجيش التركي أخطر تحد إرهابي في تاريخ الجمهورية، مارس بعض الحلفاء الأوروبيين قيودًا جغرافية وتشغيلية على أسلحتهم المصدرة.

ويتساءل كساب أوغلو هل كانت روسيا صديقًا حقيقيًا لتركيا عند حدوث كل هذه التطورات؟ بالطبع لا، إذ ما تزال تركيا وروسيا ينتميان إلى معسكرين متنافسين، ولن تتراجع تركيا عن موقفها.

ووفقا لكساب أوغلو، فقد رأى الكرملين ببراغماتية فيما يحدث فرصة  لبناء جسور استراتيجية مع أنقرة، لأن موسكو مدرسة جيوسياسية واقعية، وليست مدرسة ساذجة، مليئة بالتردد والوقاحة. واستقبل الغرب هذه الصفقة على أنها إشارة سياسية من تركيا بخيبة أمل.

وبعيدا عن قضايا نقل التكنولوجيا أو الإنتاج المشترك، كانت الخلافات التركية العميقة مع الغرب في سوريا مجالًا آخر من المشكلات المهمة التي استفادت منها روسيا، حيث ما يزال الدعم الذي يقدمه التحالف الدولي ضد داعش بقيادة الولايات المتحدة للتنظيمات المرتبطة بتنظيم "بي كي كي" (المدرج على لائحة الإرهاب) أحد أهم أسباب إقدام تركيا على شراء إس 400.

وخلص كساب أوغلو إلى أن جميع الإشارات الواردة من أنقرة تؤكد أن تركيا لن تتراجع عن صفقة إس 400. وكان ينبغي أن تكون صفقة الصواريخ الفاشلة مع الصين عام 2013 قد بعثت برسالة قوية إلى حلفاء تركيا الغربيين بأن تركيا لم تنصع للضغوط ولكنها تأمل بأن يقدم الغرب مزيدا من الفرص، وهذا ما لم يحدث.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!