محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس

في تغريدة على حسابه في موقع تويتر باللغة العربية، نعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سلطان سلطنة عمان رحمه الله، قائلًا: "أسأل الله الرحمة للسلطان قابوس بن سعيد آل سعيد الذي بذل جهودًا كبيرة من أجل رفاهية وتنمية سلطنة عمان إلى جانب كونه شخصية مهمة في سياسة المنطقة. وإذ أتقدم بخالص التعازي إلى الشعب العماني الصديق والشقيق وأدعو الله أن يلهمه الصبر والسلوان". 

وكانت قد أعلنت التلفزة الرسمية ووكالة الأنباء العمانية خبر وفاة السلطان قابوس بن سعيد، عن 79 عاما، في ساعة مبكرة من صباح السبت.

وتولى السلطنة عقب اختيار مجلس العائلة الحاكمة باجتماعه السبت هيثم بن طارق آل سعيد اليمين الدستورية سلطانًا جديدًا للبلاد. والسلطان هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد هو ابن عم السلطان الراحل. وولد عام 1954 في مسقط عاصمة عمان، وهو من الأعضاء البارزين في العائلة الحاكمة.

وتخرج السلطان من جامعة أكسفورد البريطانية عام 1979، وتدرج في عدة مناصب بالدولة، وتولى منصب وزير التراث والثقافة منذ عام 2002 وحتى تنصيبه سلطانا. وفي أول خطاب للسلطان هيثم بن طارق، أكد أن سلطنة عمان ستحافظ على العلاقات الودية مع كافة الدول، وحل الخلافات بالطرق السلمية، والإسهام فى دعم مسيرة مجلس التعاون، والسعي مع الدول العربية إلى النأي بالمنطقة عن الصراعات، قائلًا: "سنبني علاقاتنا مع دول العالم وفق نهج السلطان الراحل قابوس بن سعيد، والسلطان الراحل قابوس بن سعيد قد أسس علاقات متميزة مع تركيا وقد تطورت العلاقات بينهما بشكل كبير في السنوات الأخيرة أساسها الاحترام المتبادل والتعاون في شتى المجالات الاقتصادية والعلمية والعسكرية".

أجمع الباحثون على أن العلاقات التركية العُمانية منذ نشأتها وتطورها في في بدايات العقد السابع من عام 1700 الميلادي وحتى الآن لم تشب صفوتها أية ملاحظات أدت إلى تراجع تلك العلاقة الحميمة، بل كانت تتميز دوما بالاحترام المتبادل والتقدير للمواقف المشرفة للطرفين.

قديمًا ومع بداية عام 1773 أُصيبت مدينة البصرة، وقد كانت ولاية عثمانية، بمرض الطاعون الذي حصد عشرات الآلاف من سكانها، وبدل أن تتقدم الأيادي لها لمواساتها وتضميد جراحها وتقديم العون لها استغل الإيرانيون الضعف والهوان الذي مرّ على الولاية فهاجمتها القوات الإيرانية في مطلع عام 1775. وخلال سنة من تلك الهجومات المتعاقبة التي كانت بقيادة كريم خان، ومن بعده صادق خان، حيث تعرضت المدينة إلى الخراب والدمار، حينها استنجد أهل البصرة بالإمام أحمد بن سعيد حاكم عُمان والذي تولى مسؤولية  السلطنة قبل أشهر قليلة، فلبى النداء وأرسل جيشه بقيادة ابنه الأكبر هلال ليقود أسطولًا من 34 سفينة كبيرة مزودة بالمدفعية مع عدد من المراكب الأخرى الصغيرة، حيث استطاع العمانيون دخول مدينة البصرة ومناصرة أهلها والتخلص من الحكم الإيراني الذي اضطر إلى توقيع معاهدة مع الوالي العثماني ضمنت انسحابه من المدينة.

بعدها أصدر السلطان العثماني عبد الحميد الأول (1774- 1789) فرمانا يقضي بتخصيص مكافأة سنوية لعُمان، وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي والسياسي في المنطقة، مع توسيع الامتيازات التي يحصل عليها التجّار والبحّارة العمانيون في موانئ الدولة العثمانية، ردًا للجميل الذي أبداه العمانيون لنجدة إخوانهم من أهالي البصرة مع التقدير الذي ناله الإمام أحمد بن سعيد من السلطان العثماني امتنانًا لموقفه النبيل والمشرف.

ونظرًا لاستمرار الأطماع الفارسية، واستمرار حملاتها وتحرشاتها مع عُمان، وانتصار العمانيين فيها، وخشية من أن لا يتمكن العمانيون من صد حملات نادر شاه سارعت الدولة العثمانية بتوجيه من السلطان العثماني عبد الحميد الأول لوالي بغداد بتقديم الدعم للإمام أحمد حرصا على بقاء عُمان قوية وقادرة على صد الأطماع المتلاحقة من الفرس.

وقد استمرت المراسلات والعلاقات الودية بين السلطان عبد الحميد الأول والإمام أحمد بن سعيد. فقد كان السلطان العثماني يكاتب الإمام ويخبره بكل ما يحدث في البصرة في تلك الفترة، وعندما أراد السلطان العثماني عقد الصلح مع الفرس حرص السلطان على أن يستشير ويخبر الإمام أحمد بالصلح. وهذا يدل على عمق الروابط والصلات بين الدولة العمانية والإمبراطورية العثمانية.

 وحديثا لعبت سلطنة عمان أدوارا محورية في الكثير من القضايا التي تهم المنطقة، وهذا بطبيعة الحال يعكس الاستقلالية التامة في إجراءاتها وقراراتها، ولهذا فهي مهيأة للعب أدوار الوساطة في القضايا الإقليمية والعربية. وقد سعت إلى التغلب على الأزمة النووية الإيرانية، وكذلك دخلت كدور وسيط لحلحلة الأزمة المستعصية في اليمن.

وأخيرا لعبت عُمان دورا مهما في التغلب على أزمة قطر مع دول الخليج العربي، وهي بهذا تكون قد سارت على الخطى نفسها التي سلكتها القيادة التركية في تلك الأزمات، وعلى الرغم من حيادية الموقف التركي والعماني من الأزمة الأخيرة أي المسألة القطرية، لكن قد حسب ما قيّم البعض بأنها أكثر قربا لقطر.

وعلى الرغم من الاختلاف الواضح في درجة الانخراط في الأزمات القائمة بين تركيا وقطر، ورغم سعي العمانيين إلى جعل علاقاتهم مع الدول الأخرى تقليدية ومنها تركيا، إلا أن الانقلاب الأخير الذي حدث في تركيا - والذي ما زالت أسراره تتكشف يوما بعد آخر - قد أظهر تعاطفا من الجانب العماني مع الحكومة التركية، فقد رأرسلت برقية تضامن مع السفير العماني في أنقرة قاسم بن محمد الصالحي تضمنت أيضا إدانة لمحاولة الانقلاب ضد الحكومة الشرعية في تركيا.

ورغم أن المسؤولين في البلدين يصفون العلاقات الثنائية بينهما بالممتازة، إلا أن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو يرى أن الأمر السلبي في العلاقات الثنائية بين البلدين هو قلة الزيارات المتبادلة بينهما. وجاءت تلك التصريحات في الزيارة السابقة التي قام بها الوزير جاويش أوغلو لمسقط.

وفي لقاء آخر كان قبيل تلك الزيارة بين وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو مع نظيره العماني في أنقرة، والذي لبّى دعوة رسمية من قبل الوزير التركي، أكد فيه الأخير خلال اللقاء بأن العلاقات التركية العمانية استمرت منذ القرن السادس عشر ولم تواجه منذ ذلك الوقت أي عقبات. وفي حينها أبدى الوزير العماني دعم السلطنة لمساعي تركيا في الترشح للعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي لعامي 2015 -2016.

وغالبا ما يعتمد المراقبون والمحللون السياسيون على مؤشر العلاقات الاقتصادية كمعيار تحكيمي لتقييم العلاقات الثنائية، فبعد سلسلة من اللقاءات الثنائية بين مسؤولي البلدين، أعرب الطرفان عن رغبتهما في زيادة التبادل التجاري من 300 مليون إلى مليار دولار في عام 2014م. وفي ما يخص مجال الشراكة في المشروعات فقد تم إنجاز الكثير من المشاريع المختلفة في جميع أنحاء السلطنة، حيث وصل حجم الاستثمارات التركية في السلطنة إلى 8 مليارات دولار بجهد عشرين شركة تختص في مجال البناء والتشييد، أما عن الاستثمارات العمانية في تركيا فهناك 11 شركة عمانية تعمل في مجالات التعدين والاستيراد والتصدير والعقارات، ولكن النسبة المئوية توضح حجم الفارق الكبير بين الاستثمارات التركية في السلطنة وبين الاستثمارات العمانية في تركيا.

وفيما يخص التعاون في مجال التصنيع العسكري، فقد تمّ الاتفاق في عام 2015 على توريد تركيا 172 مدرعة بنوعيها بارس 8×8-3 و6×6-3 متعددة المهام ثمانية الدفع، تخص تشكيلات قوات المشاة الميكانيكية، وقادرة على العمل في أصعب مسارح العمليات، وهذه تعتبر باكورة التعاون في مجال التصنيع العسكري بين البلدين.

وتكد المؤشرات المتتالية أن الدولتين التركية والعمانية ماضيتان في توسيع نطاق حجم التجارة البينية، وكذلك زيادة المساهمات الاستثمارية وتطويرها من خلال الزيارات المتبادلة  للمسؤولين الاقتصاديين في البلدين، ومنها على سبيل المثال زيارة نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية التركي محمد شيمشيك إلى مسقط حيث ناقش مع المسؤولين العمانيين العلاقات المالية والتجارية بين البلدين وسبل تطويرها، إضافة إلى ترؤسه أعمال اللجنة العُمانية التركية المشتركة. وقد أكد الطرفان رغبتهما في تطوير العلاقات الاقتصادية بين الجانبين. وبدوره رأى شيمشيك أن تطوير العلاقات التجارية بين البلدين على مستوى القطاع الحكومي والخاص والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة هو الأمل المرجو في المستقبل.
وأيضًا زيارة وزير الخارجية الأخيرة إلى مسقط، وكذلك مشاركة وترؤس معالي الدكتور يحي بن محفوظ المنذري رئيس مجلس الدولة العماني أعمال القمة الثالثة عشر لمنظمة التعاون الإسلامي والذي عقد في إسطنبول في نيسان/ إبريل الماضي.

كما جاءت زيارة الرئيس أردوغان إلى سلطنة عمان تتويجا للفعاليات السياسية والدبلوماسية التي قام بها مسؤولو الدولتين. ورغم أن هدف الزيارة المعلن تناول موضوعا رئيسا هو العمل المشترك من أجل البحث عن أمن واستقرار المنطقة، وباعتبار أن التعاون بين البلدين يأخذ أهمية استراتيجية في أعقاب الأزمة الخليجية مع قطر وما تبعتها من مخاوف حول الاستقرار الأمني في الخليج عموما، وباقي الأزمات الإقليمية وما رافقتها من تطورات والتقارب في وجهات النظر بينهما وطريقة تناولها ومعالجتها، تحتم أن يكون خيار التعاون بين البلدين هو الخيار الوحيد والأمثل، وبطبيعة الحال فإن الزيارة كانت فاتحة أمل لآفاق جديدة في مجال التعاون السياسي والاقتصادي بين البلدين.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس