ترك برس

سلّط مقال للكاتب التركي، توران قشلاقجي، الضوء على الحملة التي يشنها الإعلام في الدول الغربية وبعض الدول العربية ضد تركيا وقياداتها في الفترة الأخيرة.

ويقول الكاتب إنه عندما ينتقد زعيم ما في أي مكان حول العالم نفاق الغرب بشكل صريح، تسارع وسائل الإعلام الغربية لوصفه بالديكتاتور، وبعدها تؤجج حملات تشويه ضد هذا الزعيم، وتحاول التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد من جوانب كثيرة. 

وأضاف المقال الذي نشرته صحيفة القدس العربي، أن "حالات مماثلة تعرض لها العديد من الزعماء في أمريكا اللاتينية وافريقيا وآسيا والشرق الأوسط..

وفي الأعوام الأخيرة، وجهت الدول الغربية والدول الدمى الخاضعة لها، سهامها صوب رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان، الذي كشف في التصريحات التي أدلى بها في جميع المؤسسات العالمية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة، أن مصالح الغرب هي السبب الرئيسي للحروب في البلدان الإسلامية. إن سبب الحروب في جميع البلدان مثل سوريا وليبيا واليمن، يرجع بالكامل إلى مصالح الغرب".

وتابع المقال: "أصبح أردوغان هدفًا لهذه الدول الغربية ودُماها، لأنه اعترض على هذا الوضع واتخذ الخطوات، رافضًا إراقة المزيد من الدماء في هذا المناطق. لا يمر يوم إلا وتُنشر فيه أخبار ضد تركيا من خلال أردوغان، سواء في الإعلام الغربي أو امتداداته في بعض البلدان العربية. 

والجميع يعلم أن الكفاح الذي يبديه الزعيم القوي أردوغان، في سوريا وليبيا، لا يرمي إلى إحياء الدولة العثمانية، ولا إلى قلب سياسات أتاتورك. الحقيقة هي أن الرئيس أردوغان، يدافع بالجيش التركي في تلك الأماكن عن المنطقة التي تقع فيها تركيا، قال «سنستخدم كامل قوانا في إطار إدراكنا بأن امتِناعنا اليوم عن الكفاح في سوريا سيسفر عن وصول الخطر غدًا إلى أراضينا. ويجب عدم نسيان أن نضال الشعب السوري من أجل حريته هو نضال 83 مليون مواطن في الجمهورية التركية من أجل وجوده»، مؤكدًا أن «الجميع موجود في سوريا، وبالتأكيد تركيا أيضًا موجودة. ولكن وجود تركيا هو الوحيد الذي يثير الانزعاج. تركيا لا نية لديها للبقاء في الأراضي السورية إلى الأبد. عندما يتم تطهيرها من المنظمات الإرهابية، فإن مهمتنا هناك تنتهي».

المنطقة والشعوب بين تركيا وسوريا متداخلة مع بعضها بعضا، والذين لا ينزعجون من الوجود الأمريكي، والوجود الإيراني، والوجود الروسي في سوريا، ومن الدعم الذي تقدمه السعودية لتنظيم «ب ي د/ي ب ك» في الشمال، لماذا برأيكم يهاجمون تركيا، التي لديها حدود بطول 911 كيلومترا مع سوريا؟ لأن تركيا ترفض استغلال ثروات هذه الأراضي، وتبدي مواقف معارضة بشدة حيال قتل شعوبها من أجل المصالح الغربية. لأجل ذلك، فإن دعوتي أيضًا للزعماء العرب الذين يؤججون العداء ضد تركيا، عليهم فهم أهمية المجال الاستراتيجي والتخلي عن الترحال السياسي.

مسألة مشابهة، قام بها مصطفى كمال أتاتورك، أحد القادة المؤسسين للجمهورية التركية الحديثة. لقد دعم مصطفى كمال أتاتورك حركات التمرد في سوريا والعراق، التي اندلعت ضد الدول الغربية خلال فترة النضال الوطني. لأن الحكومة التركية كان أولًا ضمان استقلال تركيا، وثانيًا استقلال البلدان العربية المسلمة، التي انفصلت عن الدول العثمانية. وبعد ذلك سعت أيضًا إلى تحقيق هدف تأسيس اتحاد بين الدول التي نالت هذا الاستقلال.

من أهم الأمثلة التي يمكن تقديمها في هذا الصدد، هو مقتل رئيس الأركان العراقي القوي بكر صدقي باشا، في عملية اغتيال تعرض لها بتاريخ 11 أغسطس 1937. صدقي باشا الذي حارب في صفوف الجيش العثماني ضد الإنكليز في جناق قلعة، كان يجري لقاءات من أجل الكونفدرالية بين العراق وتركيا. وضعت تلك الخطة على الرف جراء اغتيال صدقي باشا. لقد شهد العراق بعد صدقي باشا 7 انقلابات عسكرية بين عامي 1937 و1941. وفي عام 1939 قُتل ملك العراق غازي في عملية اغتيال نفذها الإنكليز.

من المعروف أيضًا أن ملك العراق فيصل الهاشمي، قُتل على سرير العمليات في سويسرا بعملية اغتيال نفذها الإنكليز. الملك فيصل، وهو من زملاء مصطفى كمال أتاتورك في المدرسة الحربية، كان قد زار تركيا عام 1931. وبقي في تركيا لمدة أسبوع، وأجرى لقاءات مهمة مع مصطفى كمال، تحدثا حتى عن قضية الكونفدرالية المشتركة. ترك الملك فيصل أحد أبنائه كمساعد لدى مصطفى كمال، من أجل ضمان تعزيز العلاقات بين تركيا والعرب من جديد. نجل فيصل بقي بجانب مصطفى كمال حتى وفاة الأخير عام 1938. أدت هذه الحادثة إلى تحسين العلاقة التي تدهورت في العهد العثماني بين أسرة الشريف حسين وتركيا.

من ناحية أخرى، أكّد مصطفى كمال أتاتورك في كثير من خطاباته، على أن الموصل وكركوك جزء من الأراضي التركية، وحافظ على أمله في تحريرهما وضمهما في المستقبل إلى الوطن الأم. كما أوصى في العديد من خطاباته بأن تطالب تركيا بحقوقها القديمة، عندما تطرح مشاريع الغرب لتقسيم العراق وسوريا. 

رئيس الجمهورية التركي الأسبق تورغوت أوزال، طرح هذه المشكلة في أجندة تركيا إبان أزمة الخليج الأولى، بناء على توصية أتاتورك. الجميع يعلم أيضًا أن نظام البعث يصف استعادة هطاي من قبل مصطفى كمال أتاتورك، بالاحتلال ويظهرها حتى اليوم كأرض سورية في خرائطه.

يظهر اليوم أن السياسة الخارجية التي يتبعها الرئيس أردوغان تتوافق مع السياسة الخارجية التي كان يتبعها مصطفى كمال. إن المقارنة بين مصطفى كمال والرئيس أردوغان، التي تطرحها بعض وسائل الإعلام العربية، ليست مقارنة دقيقة ولا قياسا صحيحا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!