ترك برس

يدير نجات كاراتاش منذ 30 عامًا، المقهى الذي ورثه عن والده في منطقة كوزان بولاية أضنة جنوب تركيا، وهو ليس مقهى كباقي المقاهي، بل هو مليء بذكريات ستمئة شخص من رواده المتوفين وقد علّقت صورة كل منهم على جدران المقهى.

مع التطور التكنولوجي لم يعد ممكنًا تخيل عصر الثمانينيات والتسعينيات، حيث كانت تلتقط الصور بكاميرات تحفظ الصور في أفلام معرضة للتلف، لكن الصور التي كانت تلتقط بتلك الكاميرات كانت لها قيمة أكبر من الصور الرقمية الكثيرة التي تلتقط وتشارك على وسائل التواصل الاجتماعي يوميا.

تجمع كاراتاش صداقة قديمة برواد المقهى تتجاوز علاقة البائع والمشتري، تكونت هذه الصداقة بعد تجاذب أطراف الحديث واحتساء الشاي مرات متكررة على امتداد 30 عامًا. ويحتل المقهى مكانة مميزة لدى المواطنين الأتراك، حيث يستضيف بعضهم ضيوفهم في المقهى، ويلقون السلام عند دخولهم إليه على من يعرفون ومن لم يعرفوا.

بدأت فكرة تعليق الصورة على جدار المقهى تراود كاراتاش بعد وفاة أعز صديقين له كانا بمثابة أخويه، ثم بدأ بجمع صور المتوفين ممن ارتادوا المقهى لشرب الشاي وتعليقها على جدار المقهى لتزداد ذكرياته وحكاياته التي لا زال يرويها لرواد المقهى الجدد.

وقد علّق كاراتاش على جدار المقهى حتى اليوم 600 صورة، وأطلق لقبًا خاصة على كل صورة، مثل صورة "تيكير باشا يشار" مثلًا الذي اشتهر بطهي أشهى طبق حساء في المنطقة، كتب تحت صورته "لم يؤكل حساء لذيذ كالذي كان يطهوه". وعلّق أيضًا صورة البطل الأولمبي عصمت أتلي، إلى جانب صور العشرات من رؤساء البلدية الذين كتبت أسماؤهم وتواريخ وفاتهم.

وفي حديث لمراسل قناة "TRT Haber"، أشار كاراتاش إلى صورة شخص كتب على صورته اسم "المصرفي"، وقال: "ليس ذلك لأنه مصرفي، بل لأنه كان يساعد الجميع ويده مفتوحة للخير دائمًا، وكل من يشعر بحاجته يعطيه المال".

وتحدث كاراتاش للمراسل قائلًا: "هذا نيازي والدي القهوجي، وهذه الصورة التي تليها لصديقي ليك ليك إرهان. لقّب بذلك لأنه عندما يشرب الماء أو العيران كنا نسمع صوته "ليكير ليكير". أما هذه الصورة لقبها حلمي الكوري لخدمته العسكرية في كوريا. أما كونتا فقد كان رجلا مهيبا عملاقا، وكان يرتدي لباسًا أنيقًا جدًا". ثم رفع كاراتاش صوته عاليا عند صورة شخص آخر وقال: "هذه صورة "75 ألف عبد الله"، وقد لقب بذلك لأنه ربح باليانصيب مبلغ 75 ألف ليرة كانت تعني الكثير في الماضي".

يمكن لزائر هذا المقهى التعرف على سكان الحي الذين لا يعرفهم بسماع صاحبه كاراتاش يتحدث عنهم، ويأتي الكثير ممن توفي أشخاص مقربون منهم ليلتقطوا صورة لصورهم المعلقة على جدار المقهى ويجددوها، كما يأتي البعض جالبا صورة له ليعطيها لكاراتاش كي يعلقها على الجدار بعد وفاته.

يفتح كاراتاش المقهى في الساعة الرابعة صباحا، فلا يبقى أحد في الشارع لم يشرب الشاي من التجار أو المارة الذين لا يبدؤون عملهم قبل شرب الشاي أو القهوة في المقهى، وحتى من لا يملك النقود يشرب الشاي ويدفع ثمنه عند استطاعته، كما يأتي الفضوليون إلى المقهى لسماع حكايات كاراتاش عن رواده وأصدقائه الذين يتذكرهم كلما نظر لصورهم.

ويقول كاراتاش: "يتمتع العالم الرقمي بسهولة حفظ الذكريات الجميلة، ويمكن للآباء والأمهات التقاط صور لكل لحظة في حياة أطفالهم، لكن هذه القصص تختفي بعد 24 ساعة من مشاركتها على إنستغرام أو غيره، أو عند حدوث أي مشكلة بالجهاز. لو خبأت الصور بطرق أضمن ستعيش ذكرياتنا حتى بعد وفاتنا مثل الحكايا التي علقت على جدار المقهى، وتبقى الحكايا لتنتقل من جيل إلى جيل".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!