مصطفى واجد آغا أوغلو - خاص ترك برس

من الصعوبة بمكان تعاطي العلاقات العراقية - التركية في محور محدد؛ فالروابط التاريخية والجغرافية جعلت العلاقات بين البلدين تحتضن ملفات عديدة في محاور مختلفة. والجدير بالذكر أن العلاقات بين العراق وتركيا تعود لقرابة قرن من الزمن، فإن أولى العلاقات الدبلوماسية أو بالأحرى المباحثات السياسية بين جمهورية تركيا الحديثة والمملكة العراقية تحت الانتداب البريطاني نشأت في العقد الثالث من القرن المنصرم بسبب أزمة ولاية الموصل، فكانت تركيا تحاول ضم ولاية الموصل لأراضيها؛ وبالمقابل كان الجانب العراقي يصر على عراقية ولاية الموصل، فاستمرت هذه الأزمة ثلاث سنوات وحسمت أخيراً في معاهدة أنقرة بتاريخ 5 يونيو/حزيران 1926. 

وبالرغم من أن العلاقات الرسمية بين العراق وتركيا فتحت أعينها على أزمة دبلوماسية إلا أن الأعوام والعقود اللاحقة شهدت علاقات وطيدة وتبادل المنافع في شتى المجالات. 

والجدير بالذكر أيضاً أن العلاقات بين العراق وتركيا لم تشهد إلى يومنا هذا إستقراراً ملحوظاً؛ ويكمن أسباب ذلك في التغيرات السياسية المستمرة ووجود قضايا ومحاور عديدة بين البلدين. فعند قراءة ودراسة تاريخ العلاقات بين الجارتين نجد أزمات أو برودة بين الطرفين تارة؛ وعلاقات حسنة وتبادل مصالح تارة أخرى، فكما أسلفنا العلاقات بين العراق وتركيا غير منحصرة في محور أو ملف بعينه بسبب الروابط الجغرافية والتاريخية وغيرها، فتتضمن العلاقات الثنائية جوانب الأمن والإقتصاد والتجارة والثقافة وملف المياه وغير ذلك.

ولعل أبرز تطابق الرؤى والتنسيق المشترك بين البلدين ما شهدناه في عام 2017 تجاه إجراء إستفتاء الإنفصال من قبل إدارة الإقليم في العراق، وانعكس هذا التطابق والتنسيق فيما بعد إلى علاقات وتفاهمات في قضايا وأمور أخرى بين الحكومة العراقية والحكومة التركية.  

وبخصوص معاهدة أنقرة (والتي تمر علينا اليوم ذكراها السنوية 95) فإن فيها موادا قد ترسم مستقبل العلاقات بين العراق وتركيا. فالمادة الخامسة من المعاهدة المذكورة تقول: "كل من الطرفين المتعاقدين يتعهد بأن يقبل خط الحدود المصرّح في المادة الأولى (الحدود الحالية) مصوناً عن القطع والاجتياز وأن يتوقّى من كافة أنواع محاولات تعديله". ولقد تعهدا العراق وتركيا مجدداً بهذه الفقرة في معاهدة أخرى بينهما عام 1946 وسميت بمعاهدة الصداقة وحسن الجوار في المادة الأولى منها. وهذا قول فصل ونص صريح منهما على عدم القبول لأدنى محاولة لتغيير الحدود الحالي أو الموافقة على تأسيس دولة حديثة على حدودهما. 

ومن القضايا الخلافية المهمة بين العراق وتركيا هي مسألة تواجد المنظمات الإرهابية التي تحارب وتستهدف تركيا حكومة وشعبا من داخل الأراضي العراقية. فتقوم تركيا بإدخال قوات عسكرية وقصف المجاميع الإرهابية داخل الأراضي العراقية بناء على إتفاقيات ثنائية بين البلدين؛ وبالمقابل يرى العراق هذه الخطوة انتهاكاً لسيادتها الوطنية، ما يسفر عن توتر العلاقات. 

هذا وقد ذكرت في المادة الثانية عشرة من الفصل الثاني لمعاهدة أنقرة: "على تركيا والعراق أن تمتنعا من كل مخابرة ذات صبغة رسمية أو سياسية مع رؤساء العشائر أو شيوخها أو غيرهم من أفرادها من رعايا الدولة الأخرى الموجودين فعلاً في أراضيها وعليها أن لا تجيز في منطقة الحدود تشكيلات للدعاية ولا إجتماعات موجهة ضد أي الدولتين". وقد تم تمديد هذا الفصل من المعاهدة مجدداً عام 1937. وتواجد منظمة PKK الإرهابية داخل العراق منذ سنوات وإلى الآن والذي بات هذا الأمر معروفاً للقاصي والداني تعد خرقاً للعهد المبرم بين البلدين. 

وتدرك جمهورية تركيا أهمية العراق لها وكذلك تدرك جمهورية العراق أهمية تركيا لها؛ فالبقعة الجغرافية هي العامل الأهم في العلاقات بين البلدين. 

ومهما اشتدت الخلافات بين حين وآخر أو وجود القضايا العالقة أصلاً فلا بد في نهاية المطاف من الجلوس على طاولة الحوار وإيجاد فضاء وجو مشترك لإذابة الجليد لصالح كلا البلدين حكومة وشعباً. فلا أعتقد قبول العراق مستقبلاً تأسيس دولة على أراضيها دون محاورة ومباحثات مع تركيا بسبب وجود العهود الآنفة الذكر بينهما. ومن الغير معقول تفريط العراق في علاقاتها مع تركيا بسبب تواجد المنظمة الإرهابية داخل أراضيها. فحكومة عراقية وطنية ومستقرة التي تضع مصالح أبناء بلدها فوق كل الإعتبارات يفترض منها إيجاد الحلول لذلك؛ وبالمقابل تستوجب على تركيا حينئذ إحترام سيادة العراق.

عن الكاتب

مصطفى واجد آغا أوغلو

طالب دكتوراه في مدينة بورصة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس