ترك برس

يوماً بعد آخر تقترب تركيا ومصر من تطبيع علاقاتهما السياسية التي سادتها القطيعة منذ عام 2013، وذلك على عكس العلاقات التجارية والاقتصادية التي واصلت نموها طيلة السنوات الماضية، فيما يتوقع محللون اقتصاديون تزايد التعاون الاقتصادي بين البلدين، عقب تبادل زيارات لشخصيات بارزة في المجال التجاري.

وشهدت أنقرة، الأسبوع الفائت، عقد اجتماع رفيع لرجال أعمال أتراك برئاسة رئيس اتحاد الغرف التجارية والبورصات التركي رفعت هصارجيكلي أوغلو، وآخرين مصريين يتزعمهم رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية المصري إبراهيم العربي.

ويتجاوز التقدم في التعاون الاقتصادي الخلافات السياسية، التي تقلصت مؤخرا بعد تصريحات متبادلة من قيادات الدولتين تشير إلى تحسن الأجواء بعد سنوات من الخلافات، التي تنحصر اليوم في عدد من الملفات، منها تقاسم ثروات الغاز بالبحر المتوسط.

كما يتنافس البلدان تجاريا في مجالات يتميزان فيها مثل الملابس الجاهزة والأقمشة والمحاصيل الزراعية، مما استدعى قرارات حكومية مصرية استهدفت منتجات تركية برسوم إغراق.

ورغم الحديث عن تحسن في العلاقات السياسية الثنائية بين البلدين، فلا تزال وسائل إعلام محلية مصرية تحذر من تزايد التعاون الاقتصادي التركي المصري؛ نظرا لانخفاض قيمة العملة التركية (الليرة) مؤخرا، مما يعد ميزة لصالح الصادرات التركية لمصر.

ويقول تقرير لشركة برايم لتداول الأوراق المالية إنه في حال استمرار الوضع الحالي لميل الكفة للصادرات التركية، فإن الصادرات والخدمات المصرية ستواجه احتدامًا في المنافسة الإقليمية خارج تركيا، بحسب ما نقله موقع "الجزيرة نت."

وأوضح التقرير أنه قد يؤدي ضعف الليرة التركية إلى نوع من هجوم الواردات التركية على مصر، مما قد يؤثر على الميزان التجاري بين البلدين.

ووفقا للتقرير فإن حجم التجارة بين مصر وتركيا يمثل نحو 3.7% بقيمة 3.7 مليارات دولار من إجمالي التجارة في مصر من البضائع.

وبلغت قيمة العجز في الميزان التجاري منذ دخول اتفاقية التجارة بين البلدين حيز التفعيل حتى عام 2020 نحو 16.2 مليار دولار، حسب بيانات شعبة المستوردين باتحاد الغرف التجارية.

ووضعت اتفاقية للتجارة الحرة بين البلدين مصر بوصفها أكبر شريك تجاري لتركيا في أفريقيا، بحجم تجارة بين البلدين تجاوز 6 مليارات دولار خلال العام الماضي وزاد بنسبة 35% مقارنة بعام 2020.

وأنجز المقاولون الأتراك في مصر نحو 26 مشروعا؛ مثل المطار، ومشاريع مماثلة بقيمة 900 مليون دولار.

وذكر هصارجيكلي أوغلو  في اجتماعه الأخير مع الجانب المصري، أن اتفاقية رحلات "الرورو" بين مينائي مرسين والإسكندرية، وبين مينائي إسكندرون ودمياط، سهلت بين الأعوام 2012 و2015 التجارة الثنائية وتنفيذ أعمال مشتركة في بلدان ثالثة، مؤكدا أن تجديد الاتفاقية سيعود بالنفع على تركيا ومصر.

ولم يكن اللقاء بين ممثلي اتحاد التجارة بالبلدين الأول، إذ سبقته في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي زيارة لرئيس اتحاد الغرف والتبادلات السلعية في تركيا بدعوة من نظيره المصري.

وحسب التقرير الذي أعده مستودع بيانات التجارة الخارجية بالهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات المصرية، حلّت تركيا في المركز الثالث ضمن قائمة أكبر الأسواق المستقبلة للصادرات المصرية غير البترولية خلال عام 2021 بعد الولايات المتحدة الأميركية، والمملكة العربية السعودية.

على رأس الواردات المصرية من تركيا الأدوات الصحية والمنزلية والملابس الجاهزة والمنسوجات والمفروشات والأحذية والمواد الكيميائية والسلع الهندسية والإلكترونية والحديد، وفقًا لشعبة المستوردين.

وهنا تطل الملابس الجاهزة بوصفها سلعا متبادلة تصديرا واستيرادا بين البلدين، حيث يتميزان فيها ويتنافسان في أسواقهما وخارج أسواقهما، إذ تواجه الملابس المصرية منافسة من نظيرتها التركية.

وساعدت غرفة الملابس الجاهزة المصانع على وضع أسعار استرشادية عادلة واستصدار قرار من وزارة التجارة بفرض رسوم إغراق على المستورد، ومنها الواردات التركية.

وتعد المنافسة في مجال الملابس الجاهزة على رأس الملفات الاقتصادية التي تشغل المصنّعين المصريين، رغم بوادر التحسن، إضافة إلى خلافات بين السياسيين حول حقوق التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، ووجود قرار وزاري بفرض رسوم مكافحة إغراق نهائية على الواردات المصرية من قطاعات "يو بي في سي" (UPVC)  (مادة بلاستيكية كثيرة الاستعمال)، ذات المنشأ أو المصدرة من تركيا، على أن يُعمل بهذا القرار 5 أعوام ابتداء من تاريخ نشره بالوقائع المصرية (منذ ديسمبر/كانون الثاني 2021).

وفي تصريحات صحفية، شكا مستثمرون مصريون في المجال الزراعي من استمرار ارتفاع تكلفة الإنتاج بمصر بشكل كبير جدا، وتأخير صرف المساندة التصديرية للمصدرين المصريين ورد الأعباء التصديرية منذ 2016، مما يمثل عبئا إضافيا على الصادرات المصرية.

ويأمل المستثمرون أن يسهم التحسن في العلاقات المصرية التركية الآخذ في التزايد منذ العام الماضي في حل هذه الخلافات.

وواصل حجم التبادل التجاري نموه عابرا للخلافات السياسية بدعم من اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وتركيا، التي دخلت حيز التنفيذ في 2007، حيث نما التبادل التجاري بين البلدين 3 أضعاف بين عامي 2007 و2020، أي من 4.42 مليارات دولار إلى 11.14 مليار دولار، لتسجل قيمتها الإجمالية منذ تطبيق الاتفاقية نحو 54.1 مليار دولار حتى نهاية العام الماضي.

ويميل الميزان التجاري بشكل كبير لصالح الصادرات التركية داخل السوق المصرية على حساب قيمة الصادرات المصرية لأسواق تركيا.

وبلغت قيمة الصادرات المصرية لتركيا منذ تفعيل الاتفاقية نحو 19 مليار دولار، في حين وصل حجم وارداتها من المنتجات التركية إلى نحو 35.2 مليار دولار خلال الفترة ذاتها، حسب بيانات وزارة التجارة الخارجية.

وتزامنت زيارة الوفد المصري إلى أنقرة، مع جهود البلدين لتطبيع علاقاتهما التي كانت تسودها القطيعة السياسية منذ الانقلاب العسكري الذي شهدته مصر عام 2013، وأطاح بأول رئيس منتخب ديمقراطياً في تاريخ البلاد.

وحافظت أنقرة على موقفها القائل بأن رئيس منتخب ديمقراطياً لا يمكن الإطاحة به عن طريق انقلاب عسكري، وبالتالي فقد أعربت عن انتقادها للسيسي وداعميه، بما في ذلك الغرب وبعض خصوم أنقرة في منطقة الخليج.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!