ترك برس

قال رئيس الأركان السابق للقوات البحرية التركية، الأميرال جهاد يايجي، إن القضية القبرصية لم تعد مصدر أزمة وقلق بالنسبة لأنقرة.

جاء ذلك في مقال له، على موقع "الجزيرة مباشر"، تطرق فيه إلى ثنايا القضية القبرصية والمحطات التي مرت بها حتى الآن.

وأضاف الأميرال التركي إن مضى 53 عاماً على انطلاق "المفاوضات بهدف الوصول إلى حل عادل ودائم وشامل لمشكلة قبرص فلا يمكن أن تنتهي بسبب الموقف المتعنت للجانب القبرصي الرومي والإطاحة بطاولة الحوار مع اليونان."

وأردف: "على الرغم من أن القبارصة الأتراك مسلمون، إلا أنهم قدموا تضحيات كبيرة حتى أنهم قبلوا مكاريوس، الذي كان قسًا ليصبح رئيسا لجمهورية قبرص بزي القس، ,التي تأسست عام 1960. ولكن القبارصة اليونانيين والرئيس مكاريوس القس أعلنوا أنهم لن يطبقوا دستور عام 1960 في عام 1963 وبدؤوا بأعمال الرعب والإرهاب حتى وصل الأمر إلى الإبادة الجماعية للأتراك من أجل إضفاء الطابع اليوناني على قبرص. كان هدفهم إنشاء قبرص خالية من الأتراك وكانوا يقولون ذلك علانية. وعلى الرغم من كل هذا، وبينما كان الأتراك هناك يحاولون البقاء على قيد الحياة، استمروا في عملية التفاوض بتضحيات كبيرة."

وفيما يلي النص الكامل للمقال:

كانت قضية قبرص على جدول أعمال المجتمع الدولي منذ عام 1963، عندما حاول القبارصة اليونانيون اغتصاب الدولة باستبعاد القبارصة الأتراك من دولة الشراكة التي تأسست عام 1960، والتخلي عن اتفاق العيش معًا والشراكة في حكم وادارة الجزيرة.

اختفت دولة الشراكة، “جمهورية قبرص”، بعد أن ألغى القبارصة اليونانيون من جانب واحد الدستور عام 1963 باستخدام القوة. فالروم، الذين كانوا يحاولون فتح الطريق أمام التوحيد (إينوسيس) مع اليونان، زادوا من اضطهادهم وهجومهم وضغوطهم على القبارصة الأتراك مع اليونان إلى عام 1974 من أجل تحقيق هذا الهدف. فبدأت تركيا بعملية السلام القبرصية في 20 يوليو 1974 من أجل إنهاء هذا الاضطهاد تجاه الأتراك وإحلال السلام في الجزيرة، وتم ترسيم الحدود الحالية نتيجة هذه العملية الناجحة. وبذلك، تم منع ضم قبرص إلى اليونان والتأكيد على أن وجود الشعب القبرصي التركي على هذه الأراضي مضمون ومكفول. وكانت عملية السلام التركية أيضًا نهاية لإدارة المجلس العسكري في اليونان وجلبت الديمقراطية إلى البلاد.

في 2 أغسطس 1975، تم التوصل إلى اتفاقية تبادل سكاني بين السيد رؤوف دنكتاش وجلافكوس كليريديس تحت رعاية الأمم المتحدة في فيينا. وبتنفيذ هذه الاتفاقية من خلال قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، مر ما يقرب من 120 ألف يوناني من الشمال إلى الجنوب، و65 ألف تركي من الجنوب إلى الشمال، وبذلك، تم تشكيل قسمين متجانسين من السكان. ويفصل بين هذين القسمين "منطقة وسطية" تمتد لمسافة 180 كم وعرضها هو ما بين 5 أمتار و7 كيلومترات.

في 5 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1983، تم إعلان الجمهورية التركية لشمال قبرص على أساس حق “تقرير المصير” للشعب القبرصي التركي والتأكيد على مساواتهم السياسية. وعلى الرغم من اقامة هذه الدولة، استمرت المفاوضات بين الأطراف في قبرص لمدة 53 عامًا، والتي بدأت في بيروت في يونيو/حزيران 1968، رغم أنها غالبًا ما دخلت في حلقة مفرغة.

تم طرح العديد من النماذج المختلفة ومقترحات الحل على جدول أعمال المفاوضات القبرصية في الماضي، من قبل القادة، والدبلوماسيين والممثلين الدوليين، والأمين العام للأمم المتحدة فلم يبق تقريبا أي أسلوب غير مجرب وغير معلن من أجل الحل.

أُجريت المفاوضات بدقة للوصول إلى مساواة سياسية ثنائية في المناطق وحل فيدرالي مع دولتين مكونتين طبق معايير ثابتة للأمم المتحدة. خلال عملية التفاوض، اقترب الجانب القبرصي التركي من مقترحات حل الأمم المتحدة بشكل بناء، بينما ظل الجانب القبرصي اليوناني يتعنت ولم يقترب من الحل ورفض تقاسم مستقبل مشترك مع القبارصة الأتراك. لهذا السبب، في السنوات الـ 53 الماضية، لم يتمكن “نموذج الحل الثنائي، والفيدرالي القائم على المساواة السياسية” من جمع الأطراف معًا على نص مشترك.

في عملية المفاوضات القبرصية، التي استمرت لأكثر من نصف قرن، ازداد الأمل في بعض الأحيان للتوصل إلى اتفاق من خلال الخطوات المتخذة ونماذج الحل المطروحة، ولكن النهج المتطرف للجانب القبرصي اليوناني والإصرار على عدم تقاسم الإدارة والثروة مع القبارصة الأتراك منع تكون هذه الشراكة المحتملة.

في هذه العملية، برزت خطة أنان في المقدمة كإحدى الفترات التي تم خلالها اختبار الآمال في التوصل إلى حل محتمل في قبرص بشكل مكثف. طرح أنان الأمين العام للأمم المتحدة في ذلك الوقت، وثيقة “أساس الحل الشامل لمشكلة قبرص” في عام 2002، والمعروفة أيضًا باسم “خطة أنان”. وضع أنان اللمسات الأخيرة على الوثيقة التي تحمل اسمه من خلال استكمال النقاط التي لم يتفق الطرفان عليها. طرحت هذه الوثيقة للاستفتاء وتم إعطاء الحق في أن تكون الكلمة الأخيرة للمجتمعين مباشرة. تضمنت الخطة أن تكون الشراكة الجديدة بين المجتمعين، وأن يعترف الطرفان بالهوية المنفصلة لكل منهما ونزاهتهما، وأن يحترم الطرفان الهويات الثقافية والدينية والسياسية والاجتماعية لكل منهما.

طرحت “خطة أنان” للاستفتاء في 24 أبريل 2004 من قبل الجانبين. فرفض الجانب الرومي الخطة بنسبة 75.83 في المئة، في حين صوت الجانب القبرصي التركي بـ "نعم" للخطة بنسبة 64.91 في المئة. وفي 1 مايو 2004، بعد الاستفتاء مباشرة، أصبحت الإدارة القبرصية اليونانية عضوا كامل العضوية في الاتحاد الأوربي باسم "جمهورية قبرص"، متجاهلة الشريك الآخر في الجزيرة.

إن مؤتمر قبرص، الذي بدأ مرة أخرى في 28 يونيو 2017 في كرانس مونتانا سويسرا واستمر بشكل مكثف لمدة 10 أيام، هو إحدى العمليات التي اقترب فيها إلى الحل في المفاوضات القبرصية، ورغم ذلك فقد رفض الجانب القبرصي اليوناني دائمًا الخطوات نحو الحل بما في ذلك مقترحات الأمم المتحدة لأسباب مختلفة وطرح شروطا مسبقة غير مقبولة كي لا يتحقق الحل. وبالتالي، على الرغم من الدور البناء للجانب التركي في المؤتمر، فلم يتم التوصل إلى نتيجة بسبب الموقف المتعنت للجانب القبرصي اليوناني.

في هذه المرحلة، لا يوجد خيار آخر سوى مواصلة وتعزيز وجود جمهورية شمال قبرص التركية، التي تأسست عام 1983. في الواقع، بعد عملية السلام التي نفذتها تركيا عام 1974، انتهِى الإرهاب والرعب الذي كان يُمارس ضد الأتراك، وبعد أن أسس الأتراك دولتهم عام 1983، انتهت مشكلة قبرص بالنسبة للأتراك أيضًا. مشكلة قبرص موجودة بالنسبة للجانب الرومي الذي يريد الحصول على قبرص بأكملها.

جمهورية شمال قبرص التركية هي دولة لا جدال فيها ولديها جميع المؤهلات وفقًا للقانون الدولي. في هذا الصدد، كمصدر هناك مجالان رئيسيان في القانون الدولي.

1- اتفاقية مونتفيديو لعام 1933

2- قرار جمعية الأقوام لعام 1930 (شروط تقرير المصير)

باختصار، هناك 3 شروط أساسية لوجود الدولة:

1- وجود قطعة أرض بحدودها المعينة، أي البلد.

2- أن يعيش هناك مجتمع بشري ذو طابع شعبي (مع وحدة اللغة والثقافة والتاريخ والمثل العليا)

3- أن يتم إنشاء سلطة (قانون، نظام، مؤسسات، إلخ) عليها.

كما هو واضح، فإن الجمهورية التركية لشمال قبرص حسب القانون الدولي، اكتسبت مكانة الدولة التي تفي بكل هذه الشروط. الاعتراف بها مهم ولكن ليس شرطًا. وليس من الضروري أيضاً لدولة أن تكون عضوا في الأمم المتحدة لإثبات وجودها. علاوة على ذلك، على الرغم من أن جمهورية تركيا هي إحدى الدول المؤسسة للأمم المتحدة، فقد أصبحت عضوًا في جمعية الأمم المتحدة عام 1932، بعد 9 سنوات من إنشائها. اليوم، هناك دول مثل تايوان وكوسوفو والصحراء الغربية وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وفلسطين والفاتيكان ليست أعضاء في الأمم المتحدة. ومع ذلك، بالطبع، تتوقع تركيا من أصدقائها أن يعترفوا بالجمهورية التركية لشمال قبرص وأن يطوروا معها علاقاتهم التجارية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!