إسماعيل ياشا - عربي21

وقع هجوم بعد دقائق من انتهاء قمة طهران؛ التي جمعت رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان مع نظيريه الإيراني إبراهيم رئيسي والروسي فلاديمير بوتين. وأسفر الهجوم الدامي الذي استهدف منتجعا سياحيا في منطقة زاخو بمحافظة دهوك بإقليم كردستان العراق، عن سقوط عدد من المدنيين بين قتيل وجريح.

اتهم حزب العمال الكردستاني والمليشيات الشيعية الموالية لإيران؛ الجيش التركي بقصف المنطقة المذكورة، وركب سياسيون عراقيون الموجة، إلا أن أنقرة نفت بشكل قاطع مسؤولية القوات التركية عن الهجوم، ودعت الحكومة العراقية إلى تحري الحقائق، مبدية استعدادها للتعاون في كشف ملابسات الهجوم.

هناك مصادر تركية وعراقية تشير إلى وجود أدلة تؤكد أن الهجوم الدامي الذي استهدف المدنيين في منطقة زاخو لم يقم به الجيش التركي، بل نفذه حزب العمال الكردستاني وعناصر المليشيات المحلية، وتدعو الحكومة العراقية إلى عدم الاستعجال في اتهام تركيا قبل التأكد من الجهة المسؤولة عن الهجوم. كما يقول رئيس تحالف السيادة العراقي، خميس الخنجر، إن مجموعة إرهابية تقف وراء هجوم دهوك، في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني، داعيا الحكومة العراقية والمؤسسات الأمنية إلى تطهير المناطق الحدودية من "المافيات الإرهابية التي تحاول جر العراق إلى حروب بالوكالة".

حزب العمال الكردستاني تلقى في الآونة الأخيرة ضربات مؤلمة سواء في شمال العراق أو شمال سوريا، وفقد عددا من قادته الكبار في هجمات نفذتها الطائرات المسيرة التركية. وبالتالي، تسعى المنظمة الإرهابية إلى وقف تلك الهجمات بأي طريقة. إلا أن توقيت الهجوم والحملة المنظمة التي أطلقتها المليشيات الشيعية الموالية لطهران بعد الهجوم مباشرة؛ يوحي أيضا بأن الهجوم مدبر لاتهام تركيا بقصف المدنيين لعرقلة العملية العسكرية المرتقبة التي يستعد الجيش التركي لإطلاقها، من أجل تطهير تل رفعت ومنبج وغيرهما من عناصر وحدات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب العمال الكردستاني، وبهدف إقامة منطقة آمنة لتأمين عودة نسبة من اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

المرشد الإيراني علي خامنئي خلال لقائه رئيس الجمهورية التركي في طهران، جدد رفض إيران لقيام تركيا بعملية عسكرية جديدة في شمال سوريا، مدَّعيا بأن "أي عمل عسكري في سوريا سيعود بالضرر على تركيا وسوريا والمنطقة بأكملها". ولذلك، هناك اعتقاد سائد في الأوساط التركية بأن إيران تقف -بشكل أو آخر- وراء هجوم دهوك، وتحريض العراقيين ضد تركيا، بعد أن تأكدت طهران في القمة الثلاثية من أن أنقرة لن تتراجع بأي حال من القيام بتلك العملية العسكرية المرتقبة.

تركيا ردت على الاتهامات الموجهة إليها وحملات التحريض ضدها بهدوء، مكتفية بنفي مسؤولية جيشها عن الهجوم، والدعوة إلى إجراء تحقيق مشترك لكشف الحقائق. إلا أنها في ذات الوقت واصلت استهداف حزب العمال الكردستاني، لتؤكد أنها لن تتراجع أبدا عن محاربة الإرهاب الانفصالي الذي يستهدف أمنها القومي ووحدة أراضيها.

بغداد تعيش أزمة سياسية خانقة، ولم يتم حتى الآن انتخاب رئيس جمهورية جديد ولا تشكيل حكومة جديدة، رغم مرور أكثر من عشرة أشهر منذ إجراء الانتخابات المبكرة في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وجاءت فضيحة التسريبات المنسوبة لرئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي لتزيد الطين بلة. وفي ظل هذه الظروف والفوضى، تتجنب أنقرة من الانجرار إلى معارك جانبية يتم إشعالها للتغطية على ذاك الفشل السياسي وتلك الفضيحة المدوية، واستغلالها في صراعات القوى العراقية الداخلية.

أنقرة لا ترغب في التصعيد مع العراق، بل حريصة على حماية علاقاتها مع بغداد وتطويرها، وتدرك جيدا أن الاتهامات الموجهة إليها في قضية هجوم دهوك مصدرها خارج العراق، مهما جاء صوتها من الأراضي العراقية. وبالتالي، تأمل أن يرى القادة العراقيون الأدلة التي تشير إلى المسؤول عن الهجوم، ليتراجعوا عن تصريحات وخطوات ستؤدي إلى تدهور العلاقات التركية العراقية، في الوقت الذي يحتاج فيه البلدان إلى تعزيز تلك العلاقات في إطار المصالح المشتركة.

تركيا ترى الفخ الذي ينصب لها للحيلولة دون قيامها بالعملية العسكرية المرتقبة في شمال سوريا، أو لتدفع ثمنها غاليا على الأقل إن أقدمت عليها. ومع ذلك، لا يمكن أن تتخلى عن مكافحة حزب العمال الكردستاني مهما كان الثمن. وتنتظر من القادة العراقيين أن يروا أن أصل المشكلة هي وجود منظمة إرهابية تستهدف تركيا انطلاقا من الأراضي العراقية، وأنهم لا يمكن أن يرفضوا حق تركيا في الدفاع عن أمنها القومي، بحجة السيادة، قبل أن يطردوا تلك المنظمة من العراق.

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس