عبد الله مراد أوغلو - يني شفق
القضية الأكثر أهمية التي فشل وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن في تحقيقها أثناء زيارته إلى الصين هي إعادة التواصل بين وزارتي دفاع البلدين. فقد جددت بكين رفضها لطلب الولايات المتحدة وعاد بلينكن إلى واشنطن خالي الوفاض.
كثيرًا ما دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير الدفاع لويد أوستن إلى استئناف الاتصالات واللقاءات بين "البنتاغون" و "جيش التحرير الشعبي الصيني". تواجهت السفن الحربية الأمريكية والصينية عدة مرات في مضيق تايوان ما أدى لحدوث احتكاكات وتوترات بين الطرفين. وترى الولايات المتحدة أن من المهم أن تكون خطوط " الاتصال العسكري - العسكري " مفتوحة بين البلدين حتى لا يحدث صراع "غير متوقع".
ترفض الصين "الاتصالات العسكرية" لعدة أسباب. ففي عام 2018، وبموجب " قانون مكافحة أعداء الولايات المتحدة من خلال العقوبات"، فرضت واشنطن عقوبات على الجنرال لي شانغفو، الذي يرأس حينها " إدارة تطوير المعدات " في الجيش الصيني. وكانت العقوبات تتعلق بشراء الصين طائرات حربية من طراز سو-35 وأنظمة صواريخ من طراز إس-400 من روسيا. وفيما بعد تم تعيين لي شانغفو في وزارة الدفاع في مارس/أذار 2023 ، وأصبح أكبر نظير للبنتاغون.
على الرغم من أن واشنطن تريد "الاتصالات العسكرية" بين البلدين، إلا أنها رفضت بنفس الوقت تعليق العقوبات المفروضة على شانغفو. بالمقابل، لا تريد بكين إعادة هذه الاتصالات قبل رفع العقوبات المفروضة على شانغفو. والتقى أوستن مع نظيره الصيني خلال "منتدى شنغريلا" للأمن والدفاع الآسيوي في سنغافورة بداية الشهر الجاري، حيث اقتصر اللقاء على المصافحة وتبادل المجاملات ولم يقبل وزير الدفاع الصيني عقد لقاء بين الطرفين.
واشار المحللون إلى أنّ محاولات الاتصال مع شانغفو-الذي فرضت عليه واشنطن عقوبات- غير منطقية. حيث تصر الولايات المتحدة على أن العقوبات لا تمنع فنيا الاجتماع بين أوستن ولي شانغفو. لا تظهر الولايات المتحدة تعاطفًا لفهم مشاعر الصينيين. قرار العقوبات يجعل بكين تشعر أن الولايات المتحدة لا ترى الصين على قدم المساواة في المكانة. وترى بكين أن هذه العقوبات بمثابة قرار مذل للصين. كما أن الولايات المتحدة تتجاهل انزعاج الصين من ذلك.
في واقع الأمر، السلوك الأمريكي المعتاد لا يقتصر على عدم محاولة فهم مشاعر خصومه فحسب، بل أيضا حلفائه. ينطبق هذا الموقف أيضًا على ما يسمى بالاستراتيجيات الكبرى للولايات المتحدة الأمريكية. ويشير المحللون أيضًا إلى أن الولايات المتحدة غير قادرة على تأسيس " تعاطف استراتيجي" . وبحسب بعض المحللين، فإن هذا السلوك هو انعكاس لـ " الغطرسة الأمريكية"
تعرضت الصين لهجمات المستعمرين الغربيين في القرن التاسع عشر، وخاصة هجمات إنجلترا. لم ينس الصينيون أبداً اتفاقيات الاستسلام التي حدثت نتيجة " حروب الأفيون ". يصف الصينيون الفترة الزمنية التي تغطي هذه الحروب والاتفاقيات بـ " قرن الذل ". لدى الصينيين نفور عميق من أي شيء يذكرهم بـ "قرن الذل". لذلك، فإن عدم رفع العقوبات عن وزير الدفاع لي شانغفو يشكل عقبة خطيرة أمام تقدم مبادرات الحوار بين الولايات المتحدة والصين كما ترغب إدارة بايدن.
بعد يوم واحد من زيارة بلينكين للصين، قال الرئيس الأمريكي بايدن "السبب الذي جعل شي جين بينغ منزعجا للغاية عندما أمرتُ بإسقاط المنطاد الذي احتوى على صندوقين مليئين بمعدات التجسس هو أنه لم يكن يعلم بأن المنطاد كان هناك". وقال بايدن: مصدر إحراج كبير للدكتاتوريين ألا يعرفوا ماذا يحدث بالضبط، لم يكن من المفترض أن يتطور الأمر بهذا الشكل"،. تم تفسير تصريحات بايدن هذه بأنه ربما يكون قد "نسي" زيارة بلينكن إلى بكين لتحسين الحوار مع الصين.
وفي مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يوم الخميس في " البيت الأبيض "، سأل الصحفيين بايدن هل هذه التصريحات حول الرئيس الصيني تقوض التقدم الذي أحرزته إدارتكم في الحفاظ على العلاقات مع الصين؟ فأجاب بايدن بالقول : لا أعتقد أن كلماتي ستعيق جهود الحوار وأضاف: " أجرى الوزير بلينكن زيارة رائعة إلى الصين وأتمنى أن ألتقي بالرئيس الصيني في المستقبل القريب"
بالطبع، كانت بكين غاضبة عندما أدلى بايدن بهذه التصريحات أثناء تواجده مع مودي، الذي كان لديه بعض النزاعات الحدودية مع الصين. من ناحية أخرى، تجدر الإشارة إلى أن " اجتماع بايدن-مودي " يتضمن اتفاقيات شاملة حول المعادن المهمة وأشباه الموصلات والتكنولوجيا والتعاون في مجال الفضاء والتعاون الدفاعي ومبيعات الأسلحة، بما في ذلك الطائرات المسيّرة، والتي قد تزعج الصين.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس