محمد قدو الأفندي - خاص ترك برس

يبدو أن مسلسل وادي الذئاب هو ثمرة جهود عدة جهات متعاونة أرادت أظهار تركيا الباطنية على حقيقتها وقدمت تلك الحقيقة بمشاهد تراجيدية  لم تألفها الافلام والمسلسلات العالمية الا في حيز ضيق وذلك بعد أختطاف رئيس الوزراء الإيطالي الدو مورو وأغتياله عام 1978 من قبل منظمة الالوية الحمراء .

 فبين هاكان فيدان رئيس جهاز المخابرات التركية السابق ووزير خارجيتها حاليا  ومراد علمدار بطل أبطال مسلسل وادي الذئاب الكثير من الاحداث المتشابهة بعضها معلن في الصحف والمجلات وبعضها تم تناولها سردا وتمثيلا في المسلسل الدرامي التراجيدي كمشاهد الاكشن التي برع بها علمدار وميماتي وعبدالحي .

أن شخصية علم دار حقيقية مع بعض المزايدات التي حاول السيناريست من تجسيده تقربا لشخصية عبدالله تشاتلي او عبدالله جاتلي الشخصية الغامضة التركية والذي كان منتميا لحركة الشباب القومي والمسؤول عن الكثير من الاحداث التي وقعت في تركيا أو خارج تركيا ومن ثم توفي في حادث سير غامض ومعه قائد شرطة بالكسير، ويذكر أن البعض كان يتصور بأن هاكان فيدان هو نفسه عبدالله تشاتلي ..

بعد أنهيار مفاوضات المعونة العسكرية الامريكية السنوية لتركيا حسب الاتفاق الذي تبناه الرئيس الأمريكي ترومان لمساعدة تركيا ، طلب الجنرال كمال يامق، من الجنرال سميح سنجر، رئيس الأركان العامة آنذاك أن يطلب من أجاويد حساب سري قدره مليون دولار. وعندئذ فقط علم أجاويد بوجود إدارة سرية باسم دائرة الحرب الخاصة ، وطلب احاطة علما بذلك ، ومن الجدير بالقول أن الوثائق البريطانية التي تم كشفها حديثا كشفت عن قيام الناتو بتأسيس (الغلايدو ) وهو الاسم الإيطالي لتلك الإدارة لأن اول تشكيل لهذه الدائرة السرية للناتو كانت في إيطاليا  وهي كما أشرنا سرايا سرية في الدول الأعضاء للناتو ومن ضمنها تركيا والتي تسمى بدائرة الحرب الخاصة مستثنية بذلك كل من بريطانيا والولايات المتحدة وكندا حصرا .

ولأن الناتو يفرض على الدول التي تنضم لها السماح بتشكيل هيكل سري داخل تلك الدول أضافة الى تأسيس قواعد حربية في تلك الدول كما ان قواتها المسلحة تكون تحت أشراف هيئة الأركان التابعة للناتو .

ففي تركيا هناك أربعة جيوش ثلاثة منها مرتبطة فنيا بالناتو ماعدا الجيش الرابع والذي تم تأسيسه بالسبعينات بعد أشتداد الخلافات مع اليونان حول جزر بحر أيجه .

وبذا يكون اجاويد هو اول من كشف عن وجود تلك الإدارة السرية والتي كانت تمولها الولايات المتحدة من ضمن معوناتها لتركيا  , وقد أدى معرفة رئيس الوزراء ومحاولته كبح جماح مثل هذه المنظمة إلى محاولة اغتياله في مطار إزمير في 1977 .

تاريخيًا عمد الغرب وبالأخص بريطانيا  الى تشكيل خلايا سرية من التحالفات التآمرية من ضمن لجنة متكاملة والتي كانت نشطة جدًا أثناء عهد جمعية الاتحاد والترقي، حيث كانت تلك اللجنة ضالعة في التخطيط للإطاحة بالسلطان. وبذا تكون كل العمليات السرية التي جرت في تركيا قبل وبعد تأسيس الجمهورية التركية هي صناعة غربية أنكلوسكسونية ، ولأن الإمبراطورية العثمانية كانت دولة متعددة الجنسيات ، متعددة اللغات ، متعددة الأديان فقد أراد هولاء زرع الفتنة أولا بين الاتراك وبين باقي الملل من خلال الترويج للعنصر القومي التركي والذي تبناه زعماء الاتحاد والترقي بتشجيع من الإنكليز والفرنسيين ، لأن الترويج للقومية كانت على اشدها في اوربا نفسها .

وقد تطرق أيضا سليمان ديميريل الى وجود الدولة العميقة بصورة مفصلة بعد تركه العمل السياسي في لقاءه مع أحد الصحفيين والذي أكد أن تلك القوى في الدولة العميقة تحاول بشتى الطرق الاستفادة القصوى من الامتيازات عند توفرتلك الفرص ويقصد بالفرص هوضعف الحكومة أثناء إدارة الدولة ،

وقد وصف الرئيس ديميرل الدولة العميقة كمرادف للقوات المسلحة، وقادرة على اخضاع الدولة الشرعية في أوقات الاضطرابات. وقد أكد كنعان إڤرن نفسه الشكوك، في لقاء مع الصحفي ياڤوز دونات.

وحقيقة الامر أن في تركيا الكثير من التيارات والمنظمات المتصارعة منذ ولادة الجمهورية التركية واستمرت تلك النزاعات والصراعات بشكل خفي وأديرت أيضا بشكل خفي حتى عام 1949 .
وبما أن العنصر الأقوى في تركيا هوالعسكر منذ ولادة الجمهورية التركية ولغاية قيام الرئيس أردوغان باجراء تعديلات دستورية تحتم تقليص نفوذ العسكر ، فأن الدولة العميقة التي ادارتها الناتو كانت تعتمد بالأساس على العسكر ومعها المؤسسات والمنظمات والأحزاب السائرة في فلكها .

فالناتو ودولته العميقة ليست مؤسسة عسكرية فقط وأنما مؤسسة سرية متكاملة من الاعلام والصحافة والمهندسين ورجال أعمال وساسة ورياضيين وفنانين وأطباء وقضاة ومحاميين ، وهولاء يمثلون دولة الناتو العميقة ويسمون أيضا بالرجال المتروكين خلف خطوط المواجهة .

وحقيقة الامر فأن تشكيل هذه المؤسسة السرية كان يقصد بها تشكيل خط دفاعي سري موجه ضد الاتحاد السوفيتي السابق في حال قيامه بغزو او بالاعتداء على دول الناتو . 

وبسقوط الاتحاد السوفيتي ولشعور بعض الدول بثقل تدخلات هذه المؤسسة في داخل البلدان المنضمة للناتو فرضت كل من أيطاليا وبلجيكا رقابة على نشاطات تلك المؤسسة .

ولسنا هنا بصدد سرد كل نشاطات الكلايدو أو دائرة الحرب الخاصة في تركيا وخارج تركيا ، لكن من الضروري ذكر بعضها مثل المساهمة مع العسكر في أنقلاب 1960 ضد مندريس وكذلك ضد اليونان خشية وصول الشيوعيين للحكم عام 1967 وانقلاب عام 1980 والذي انهى طائفة من الحكومات الائتلافية ومن الفوضى والتناحر بين الأحزاب .

فمنذ استلام هاكان فيدان او خاقان فيدان لادارة المخابرات التركية حاول بكل الطرق ترويض معظم المؤسسات السرية الدولية والمحلية والتقليل او منع نشاطات معظمها وحتى بغلق ملفات نشاطاتها وانهاءها .

قصة الكتاب الأحمر 

في عام 1949اجتمعت الهيئة العليا للدفاع الوطني في  انقرة لتطوير وتحسين ورفع قدرة الامن القومي والقدرات الدفاعية للدولة التركية ، وضمت تلك الهيئة سبعة عشر شخصا من المدنيين الى جانب رئيس هيئة الأركان .

بعد انقلاب 1960 قام الانقلابيون إضافة الى ثلاثة ضباط عسكريين الى جانب رئيس هيئة الأركان آنذاك بتوجيه لجنة 1949 بصياغة الكتاب الأحمر , ويعد هذا الكتاب من اهم الكتب الاستراتيجية منذ العهد العثماني حيث يحتوي هذا الكتاب على اسرار الدولة التركية ويضم كافة التدابير الأمنية التي لايمكن الإعلان عنها وتبقى بعيدة عن متناول المواطنين .

ومن المرجّح ايضاً انّ الحروب الاستخباراتية بين الدّول العظمى، تهدف إلى معرفة محتوى الكتاب الاحمر السريّ للدولة الأخرى. لأن هذا الكتاب يتضمّن في طيّاته الكثير من المعلومات السرّية التي توضّح سياسات الدّولة المستهدفة استخباراتيّاً .

وبتأكيد الرئيسين ديميريل واجاويد سابقا وتأكيد الرئيس اردوغان بوجود دولة عميقة فهذا يعني وجود قيادة خفية للدولة العميقة  ومجلس حكماء أو مجلس اركان أو كما سماه  مراد علم دار بمجلس الاختيارية أواصحاب الشعر الأبيض ، ولكون انها لم تعلن بشكل رسمي أو تصريح يؤكد ذلك لحد الان  ـ الا أننا نعرف مهام المخابرات ورجال الظل ومن بعدهم الدولة العميقة لن تكون علنية أشخاصا ومؤسسات لذا  قد نصدق وجود هكذا مجلس سري يقود الدولة العميقة .

ولو أيقنا بوجود هذا المجلس فأننا أيضا نتيقن بوجود الكتاب الأحمر عند رئيس المجلس ولازال محفوظا في الخزينة الفولاذية المغلقة .

ويبقى التساؤل المشروع هل استطاع هاكان فيدان من ترويض فصائل الدولة العميقة .

وهل تم مكافأته من اجل ذلك بتعيينه وزيرا أم ان تركيا ستتعامل مع دول العالم بنفس أستخباراتي .

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس