بسم الله الرحمن الرحيم

نشر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بيانا للأمة الإسلامية والإنسانية جمعاء، وأحرار العالم، في إطار فعاليات مؤتمر عالمي أقيم في إسطنبول تحت شعار "غزة مسؤولية إسلامية وإنسانية"، بمشاركة نحو 150 عالماً من كبار علماء الأمة، قدموا من ما يقارب خمسين دولة.

وجاء في البيان:

انطلاقاً من مسؤوليتنا الشرعية والإنسانية، وآلام الجسد الواحد، يقوم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالتعاون مع وقف علماء الإسلام في تركيا بتنظيم هذا المؤتمر المبارك، إيماناً بأن الواجب يفرض على العلماء والأمة جمعاء أن يقفوا مع غزة وفلسطين، وأن يحملوا أمانة الدفاع عن قضاياها العادلة، ونصرة شعبها المظلوم بكل ما أوتوا من قوة وعزيمة.

إننا اليوم نقف أمام أخطر كارثة في تاريخنا الحديث، بل في تاريخ البشرية قاطبة، كارثة الإبادة الجماعية التي تستهدف أكثر من مليونين ونصف المليون من أهلنا في غزة الصابرة الصامدة، حيث يُقتلون بكل صنوف الأسلحة الفتاكة، ويُحاصرون بالجوع والعطش، ويُتركون فريسة المرض والحرمان، منذ اثنين وعشرين شهراً كاملة!

ولأول مرة في التاريخ، وأمام أعين العالم كله، تتجرأ حكومة صهيونية إرهابية على تنفيذ خطة معلنة لإبادة شعب بأكمله، لم تترك مسجداً ولا كنيسة، ولم تبقِ مستشفى ولا مدرسة، ولم تصن بيتاً ولا مخيماً، بل دمّرت كل مقومات الحياة، ومسحت معالم الإنسانية، وجعلت غزة ساحة موت لا ساحة حياة.

ولم تقف جرائمهم عند حدود غزة، بل جاهروا أمام العالم بمشروعهم التوسعي الآثم لابتلاع مزيد من أرض العرب والمسلمين، مهددين الأردن ومصر وغيرهما، في سبيل تحقيق حلمهم الباطل المسمى "أرض الميعاد: إسرائيل الكبرى"، فيما يتعرض مسرى رسول الله ﷺ وأولى القبلتين، المسجد الأقصى المبارك، لانتهاكات متكررة وعدوان صارخ لهدمه وبناء الهيكل المزعوم.

أيها الناس، إنها جريمة إبادة، تتكامل مع جريمة الاحتلال والتوسع الاستعماري، حتى غدت القوانين الدولية ألعوبة، وفقدت الإنسانية قيمها، وسقطت قرارات الأمم المتحدة سقوطاً مدوياً، بعدما حوصرت الأونروا وأُنهكت مؤسساتها، فلا قانون يحمي، ولا عدالة تنصف، ولا إنسانية تُحترم. والأسوأ من ذلك أنّ هذه الجرائم تُرتكب بدعمٍ وحمايةٍ من بعض القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، التي تمد الاحتلال بالأسلحة الفتاكة، وتغطيه سياسياً ودبلوماسياً.

لكن في المقابل، فشعوب العالم الحر تهبّ، تثور، وتنتفض، وتعلن رفضها لهذه الجريمة النكراء، بينما تعيش أمتنا الإسلامية والعربية بين عجزٍ مؤلم، وتقاعسٍ مخزٍ، وتآمرٍ فاضح من بعض الأنظمة مع العدو الغاصب.

أيها الحضور الكرام، أمام هذا الواقع المأساوي غير المسبوق، انبرى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بالتعاون مع وقف علماء الإسلام، ومع ثلةٍ من العلماء الغيورين والمخلصين، ليعقد هذا المؤتمر تحت شعار: "غزة مسؤولية إسلامية وإنسانية"، جامعاً أكثر من مائة وخمسين عالما من كبار علماء الأمة في أكثر من خمسين عالما، ليصدعوا بكلمة الحق، ويؤدوا واجبهم الشرعي والتاريخي، وليؤكدوا أن غزة ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، بل قضية أمة، وقضية إنسانية عادلة، لا يملك أحد أن يتخلى عنها أو يساوم عليها.

ويستهدف مؤتمرنا تحقيق الاهداف الآتية:

تعبئة الأمة الإسلامية والإنسانية لإيقاف العدوان، وفتح الممرات، وإيصال جميع ما يحتاج إليه أهل غزة العزة.
تحقيق التحالف الإسلامي، لمنع الإبادة الجماعية والنازية والعنصرية تحت أي غطاء، ولقطع دابر مآرب الصهاينة في التوسع الاحتلالي.
تحقيق حلف الفضول الإنساني لمنع الانتهاكات الخطيرة للمبادئ الأخلاقية والإنسانية، وملاحقة المجرمين ومعاقبتهم العقوبات العادلة.
إعلان إسطنبول لحلف مؤسسي للمؤسسات الحقوقية والبرلمانية والإنسانيةعلى مستوى العالم، لمنع العدوان في غزة وعدم تكرارها.
تشكيل وفد لزيارة رؤساء الدول للتعاضد لأجل تحقيق أهداف المؤتمر.
تشكيل مؤسسة، أو لجنة قوية دائمة للمتابعة، وتنفيذ قرارات المؤتمر.
إيصال رسالة الى أهلنا في غزة: (كلنــا معــك يــا غـزة العــزة)، وإلى المقاومين للاحتلال بأن مقاومتكم شرعية في جميع الشرائع السماوية والقوانين الدولية والإنسانية، وان نصركم هو نصر لقيم الحق والحرية والعدالة، وحماية وقهر لتوسع الاحتلال.

برنامج المؤتمر:

تبارك مؤتمرنا بافتتاحه الشعبي في هذا اليوم المبارك الجمعة، وفي هذا الجامع الذي يحمل عبق تأريخ الجهاد للسلطان أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
ثم يكمل مؤتمرنا أعماله بحول الله تعالى يوم السبت 23 أغسطس 2025، بكلمات بروتوكولية يلقيها أصحاب المعالي والسماحة رؤساء الوفود المشاركة، إيذاناً بانطلاق رسمي لهذا الملتقى المبارك.

ثم تُخصص الأيام التالية، من الأحد 24 أغسطس حتى الخميس 28 أغسطس 2025، لعقد ثماني عشرة ورشة عمل متوازية تتناول القضايا المركزية لفلسطين: غزة الجريحة، والمسجد الأقصى المبارك، والضفة الغربية الصامدة، والقضية الفلسطينية برُمتها،والوحدة الإسلامية والإنسانية أمام توحش الصهاينة، وسيُعنى المشاركون في هذه الورش أيضًا بدراسة سبل الاستفادة من التعاطف الإنساني المتنامي على المستويين الشعبي والدولي، وتوظيفه سياسياً وإعلامياً، وصولاً إلى بلورة مقترحات عملية ومخرجات قابلة للتنفيذ، تُسهم في نصرة القضية وإسناد أهلها.

ويُختتم المؤتمر يوم الجمعة 29 أغسطس 2025، بإصدار البيان الختامي، وذلك في جامع آيا صوفيا بعد صلاة الجمعة مباشرة، بإذن الله تعالى.
ويكون يوم الخميس 28\8 يوم صيام ودعاء مع أعمال المؤتمر.

وإننا إذ نعيش على مدار هذا المؤتمر معاناة أهلنا في غزة على وجه الخصوص، ومعاناة أهلنا في القدس والضفة وسائر فلسطين، فإننا نؤكد من خلال هذا الجمع المبارك التزامنا الثابت بمسؤوليتنا الإسلامية والإنسانية، ووقوفنا العملي إلى جانب شعبنا الفلسطيني، ومؤكدين على ما يــلي:

تُؤكد الأمة الإسلامية والإنسانية جمعاء أنها لن تقبل بهذه الجرائم التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء وفاقت ما ارتكبه هولاكو وهتلر، ولن تترك غزة وحدها في محنتها.
نُعلن بثقة أن الباطل مهما انتفش وتجبر فمصيره إلى زوال، وأن الحق هو الغالب في نهاية المطاف، كما قال تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: 18].

ومع أهلنا في غزة وعد الله الحق بالنصر المبين، يساندهم في ذلك الأحرار والشعوب الحية في الـعالم.

يسعى المؤتمر بكل جهوده لتحقيق الإغاثة العاجلة، والضغط الشعبي والسياسي لفتح المعابر وضمان وصول المساعدات إلى المحاصَرين الجائعين في غزة.
يؤكد المؤتمر أن تفعيل المقاطعة الشاملة وفرض العقوبات على الاحتلال هو من أولوياته، مستندين في ذلك إلى نصوص الشريعة، وإعلان لاهاي، والقوانين الإنسانية، وقرارات الأمم المتحدة منذ أكثر من سبعين عاماً.
لا يغيب عنّا الأمل المنشود في إعادة إعمار غزة، لتكون شاهدةً على صمودها وبطولاتها ودمائها الزكية، بل أجمل مدينة تعانق المجد بدماء أبنائها وصبر أهلها.

كما ان المؤتمر سيوجه رسائل واضحة وصريحة إلى قادة الدول الإسلامية والإنسانية، وإلى الشعوب الحرة والمؤسسات الإنسانية والحقوقية ونحوها مما تتمخض عنها المؤتمر بإذن الله تعالى.

وفي الختام، يتوجه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ووقف علماء الإسلام بخالص الشكر والتقدير إلى الجمهورية التركية، رئيساً وحكومةً وشعباً، وإلى والي إسطنبول، ورئاسة الشؤون الدينية، وإلى جميع من ساهم في تنظيم هذا المؤتمر وتمويله ودعمه، سائلين الله تعالى أن يجزيهم خير الجزاء، وأن يوفقنا جميعاً لما فيه نصرة المستضعفين ودعم قضية فلسطين، وان يكون هذا المؤتمر وسيلة لمؤازرة غزة العزة والمسجد الأقصى. آمين يارب العالمين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أ‌. د. علــــي محيي الـدين القره داغي 
رئيس المؤتمر، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الجمعة 28 صفر 1447 هـ / الموافق 22-08-2025

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!