ترك برس

تصدّر المشهد السياسي في تركيا جدل واسع بعدما فجّر زعيم المعارضة ورئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل اتهاما مثيرا بأن الرئيس رجب طيب أردوغان عقد لقاء سريا في قصر "دولمه بهتشه" بإسطنبول مع نجل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لمناقشة صفقات تجارية مرتبطة بملف غزة. وفقا لموقع الجزيرة نت.

وذكر موقع الجزيرة نت أن الاتهام أشعل سجالا سياسيا وإعلاميا حول توقيته ودلالاته، لا سيما أن أردوغان سارع إلى نفيه بلهجة قاطعة وقال إن أوزيل "يفبرك الأكاذيب"، مؤكدا أن أي تعامل محتمل سيكون مع ترامب نفسه لا مع ابنه.

وأضفى هذا السجال بُعدا إضافيا على زيارة أردوغان المرتقبة إلى الولايات المتحدة ولقائه المنتظر بترامب، ليمنح القضية وزنا داخليا وخارجيا في آن واحد. 

مزاعم لقاء سري

وكشف أوزغور أوزيل في تجمع جماهيري بإسطنبول الأربعاء الماضي عما وصفه بأنه "لقاء خلف الأبواب المغلقة" جمع الرئيس رجب طيب أردوغان بنجل الرئيس الأميركي.

وبحسب روايته، فإن الضيف الأميركي وصل إلى إسطنبول الأسبوع الماضي، في زيارة غير معلنة، والتقى أردوغان داخل مكتب العمل الرئاسي بمجمع قصر "دولمه بهتشه" التاريخي.

وذهب أوزيل إلى أن اسم نجل ترامب أدرج في السجلات الرسمية بصفة "رجل أعمال" لإخفاء هويته الحقيقية، في إشارة -على حد قوله- إلى أن اللقاء حمل طابعا تجاريا أكثر منه سياسيا. وأكد أن الزيارة تمت عبر قنوات شركات ضغط تعمل على تعزيز المصالح الاقتصادية بين أنقرة وعائلة ترامب.

وتعمق زعيم المعارضة في اتهاماته بالقول إن أردوغان قدم وعودا بمكاسب هائلة خلال اللقاء المزعوم، بينها عرض شراء 300 طائرة من طراز "بوينغ" مقابل ترتيب ظهور أو لقاء مباشر مع الرئيس دونالد ترامب.

ورغم حساسية هذه التصريحات، فإن أوزيل أدلى بها أمام أنصاره باعتبارها دليلا -وفق تعبيره- على استعداد أردوغان لتقديم تنازلات كبيرة خلف الكواليس خدمة لمصالحه السياسية.

دعم إعلامي

ومنحت وسائل إعلام دولية الزخم لتصريحات أوزغور أوزيل، إذ نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تقريرا استند إلى مصادر تركية تحدثت عن اجتماع سري عقد بالفعل بين أردوغان ونجل دونالد ترامب في إسطنبول، مشيرة إلى أن الهدف كان تمهيد الأرضية لاجتماع مباشر مع ترامب نفسه في مرحلة لاحقة.

في المقابل، نقلت قناة "دويتشه فيله" الألمانية عن مصادر أخرى أن اللقاء لم يتجاوز كونه "زيارة مجاملة" خالية من أي مباحثات رسمية بشأن غزة أو قضايا أخرى، في محاولة لتفنيد اتهامات أوزيل حول صفقات سرية مرتبطة بفلسطين.

وخرج حزب "العدالة والتنمية" عبر متحدثه الرسمي عمر تشيليك ليدافع عن الرئيس، واصفا تصريحات زعيم المعارضة بأنها "نموذج كامل على الجهل السياسي في قضايا السياسة الخارجية".

وقال تشيليك، في بيان عبر حسابه الرسمي على منصات التواصل، إن أوزيل يقود الحزب نحو "تطهير" ما تبقى لديه من خبرة في السياسة الخارجية. وأكد أن التاريخ سيخلد ما وصفه "بالعجز السياسي" لرئيس حزب الشعب الجمهوري، مقابل ما اعتبره "القيادة العالمية لرئيسنا" التي ستتجلى -بحسب قوله- خلال اجتماعات الأمم المتحدة حيث سيتابع العالم بأسره تقييمات أردوغان وأجندته الواسعة.

بدورها، سارعت المعارضة إلى استثمار الاتهام لإبقاء الملف حاضرا في المشهد، إذ لمح أوزيل إلى احتمال وجود "صفقة خفية" تتعلق بملف غزة والعلاقات التركية الأميركية.

وذهب أبعد من ذلك بالإشارة إلى أن تزامن اللقاء المزعوم مع الدعوة العاجلة للرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى أنقرة يعزز فرضية وجود تفاهمات غير معلنة.

أردوغان ينفي

بعد أيام من تداول الحديث عن اللقاء، كسر الرئيس رجب طيب أردوغان صمته ورد بلهجة قاطعة، ونفى بشكل صارم حدوث أي اجتماع مع نجل ترامب، واصفا ما ورد على لسان أوزغور أوزيل بأنه "ادعاءات بلا أساس".

وجاء رد أروغان خلال مؤتمر صحفي عقده في مطار أتاتورك بإسطنبول يوم أمس الأحد عشية توجهه إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وخلال إجابته على أسئلة الصحفيين، صعّد أردوغان لهجته تجاه زعيم المعارضة من دون أن يذكر اسمه مباشرة، وقال "لا أريد إهانة الأصم، لكن الأصم لا يسمع فيختلق الروايات. هذا الرجل يختلق باستمرار"، في تلميح واضح إلى أن أوزيل يتعمد فبركة الوقائع.

وتطرق أردوغان إلى ما أثير بشأن صفقات الطائرات، نافيا ضمنيا صحة ما أورده أوزيل عن تعهده بشراء طائرات من شركة "بوينغ".

وأوضح أن قرارات من هذا النوع تبنى على احتياجات الدولة وإستراتيجياتها، لا على أهواء أو إملاءات من المعارضة. وقال ساخرا "لم نستشر أوزغور أوزيل عندما اشترينا الطائرات، ولن نستشيره في المستقبل. هذه الأمور أكبر من مقاسه".

توقيت حساس

ويرى المحلل السياسي عمر أفشار أن إثارة ملف "لقاء ابن ترامب" في هذا التوقيت لم تكن مصادفة، بل استثمار متعمد من المعارضة لظرف حساس بالنسبة للرئيس أردوغان.

ويوضح أفشار، في حديث للجزيرة نت، أن زيارة أردوغان الجارية للولايات المتحدة يفترض أن تبحث فيها ملفات إستراتيجية مثل صفقة مقاتلات إف-16 والعلاقات الدفاعية والتجارية بين أنقرة وواشنطن.

ويضيف أفشار أن طرح مزاعم من هذا النوع قبيل الزيارة مباشرة أضفى على الجدل بُعدا خارجيا، إذ بدا كأن المعارضة تسعى لتعكير أجواء الزيارة والتشويش على صورة أردوغان على الساحة الدولية.

سجالات داخلية

من جانبه، استبعد المحلل السياسي التركي أولاش تيبقيتش أن تترك "المزاعم حول اللقاء" أثرا ملموسا على زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة أو على صورته في الأوساط الدولية.

وأوضح أن مثل هذه الادعاءات تُقرأ خارجيا باعتبارها جزءا من سجالات السياسة الداخلية المعتادة بين الحكومة والمعارضة في تركيا، وليست بندا جوهريا على جدول العلاقات الثنائية بين أنقرة وواشنطن.

غير أن تيبقيتش شدد، في حديث للجزيرة نت، على أن القضية تكتسب وزنا مختلفا في الداخل التركي، إذ تمنح المعارضة فرصة لإحراج الرئيس في توقيت بالغ الحساسية، خاصة مع ارتباطها بملف غزة الذي يحظى بتأييد شعبي واسع.

ولفت إلى أن الهدف الأساسي للمعارضة ليس التأثير على مواقف واشنطن أو على الرئيس ترامب، بل إثارة حالة من التشكيك داخل الرأي العام التركي، من خلال تصوير أردوغان في موقع مزدوج.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!