جلال سلمي - خاص ترك برس

جاء الرد الروسي على حادثة إسقاط الطائرة الروسية على أيدي قوات السلاح الجوي التركي في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر المنصرم، غير متوقع وصادمًا للقيادة التركية التي لم تتوقع من قبل أن روسيا يمكن لها أن تستغني عن العلاقات الاقتصادية المتينة التي تربطها وتركيا، ولكن روسيا قلبت الطاولة في وجه القيادة التركية ولم تكترث لهذه العلاقات في سبيل تصعيد الأزمة للرد على تركيا بشكل يُعبر عن رسالة فحواها "روسيا دولة عُظمى لا يُستهان بها"، على حد وصف الباحث السياسي التركي "محمد ياغين".

وأوضح ياغين أيضًا، في مقاله "هل ردة فعل تركيا حاسمة تجاه التصعيد الروسي؟ لا!"، التي نُشرت على الصفحة الرسمية لمؤسسة الأبحاث الاستراتيجية الدولية "أوساك"، أن روسيا تنتهج أسلوب نموذجي ثابت في التصعيد ضد دول الناتو التي تواجه معها اختلاف في مجال معين، حيث تعمل روسيا بدلًا من المواجهة المباشرة مع هذه الدول، على استثمار العوامل الأخرى مثل "الحرب بالوكالة أو العقوبات الاقتصادية أو الهجوم الإعلامي الأسود" تجنبًا لقواعد المادة الخامسة لاتفاقية "حلف الشمال الأطلسي" التي تنص على تضافر جهود الدول الأعضاء لصد أي هجوم تتعرض له الدول الأعضاء، لأن أي هجوم على أي دولة من دول الأعضاء يُعتبر اعتداء مباشر على جميع الدول الأعضاء".

وأضاف ياغين "تحاول روسيا بهذا الأسلوب تجنب المواجهة المباشرة مع حلف الناتو، وظهر ذلك جليًا عقب نشوب أزمة إسقاط الطائرة، إذ ندد الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" وهدد ولكن لم يقوم بأي تحرك عسكري ضد تركيا، إلا أنه على الصعيد الآخر، استعمل كافة الفرص السانحة مثل العقوبات الاقتصادية والحملات العالمية السوداء وغيرها".

كانت ردة فعل روسيا ضد التحرك الجوي التركي المُستهدف لطائرتها تصعيدي وخشن، إذ عملت روسيا على إعادة فرض التأشيرة على المواطنين الأتراك، وطردت بعض رجال الأعمال المتواجدين في روسيا، وشددت الخناق والرقابة على البضائع التركية المُصدرة إليها وعملت على منع أخرى بشكل كامل، وحذرت مواطنيها من الذهاب إلى تركيا، واتجهت لتسويق العديد من الحملات الإعلامية "السوداء" المُستهدفة لتركيا وسياستها الخارجية، وغيرها العديد من الإجراءات التي قُيمت بالتصعيدية والغير مألوفة بين دولتين تجمعهما العديد من العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحيوية.

ولكن على الصعيد التركي، كان رد فعل القيادة التركية على العقوبات الروسية هادئًا وداعيًا بشكل مستمر لضبط النفس والعقلانية في اتخاذ الإجراءات التي يمكن اتباعها من أجل التحقيق في مجريات الحدث.

وهذا ما جعل الباحث السياسي "حسن يالجين"، الكاتب في صحيفة "يني شفق"، في مقاله "ماذا بعد إسقاط الطائرة الروسية؟"، يشير إلى أن تركيا كان تظن أن العلاقات بينها وبين روسيا قوية ومتينة على جميع النواحي، ولكن بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية المُخترقة للأجواء السيادية التركية وإبداء القيادة الروسية روح تصعيدية، تبين للقيادة التركية أنها أمام دولة "مُتربصة" لا تتسم بروح التعاون العقلاني، وتُريد فرض سياسات مُعينة على الدول الشريكة لها، وهذا ما لا يمكن أن تقبل بها القيادة التركية الجديدة إطلاقًا.

على الرغم من التصعيد الروسي الجسيم تجاه تركيا، والذي تطور إلا أن طال دعم حزبي العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي "الكرديين" اللذان تعدهما تركيا حزبين "إرهابيين خطيرين" على مصالحها الأمنية الاستراتيجية ضاربةً بذلك القيادة الروسية الحساسية التركية تجاه هذا الأمر بعرض الحائط، إلا أن القيادة التركية إلى اليوم تحاول اتباع سياسة ضبط النفس والعقلانية في التعامل مع هذه الإجراءات التصعيدية التي تمارسها روسيا".

منذ اندلاع الأزمة وإلى الآن القيادة التركية تحاول الحفاظ على صبرها تجاه ما تقوم روسيا، وتٌقيم ردة فعلها تجاه هذه الإجراءات على أنها هادئة وغير مُنجرة للتحركات "الابتزازية" التي تقوم بها روسيا هنا وهناك، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في ظل هذه الأزمة هو هل ستبقى تركيا محافظة على ضبط نفسها تجاه "التصعيد" الروسي أم أنها ستقوم باتخاذ موقف موازي للتحرك الروسي كما تقوم روسيا الآن؟.

ويبدو أنه في حين استمرت روسيا بممارسة هذه "الغطرسة" فإن طفح الكيل لدى تركيا سيكون قاب قوسين أو أدنى وسيكون رد تركيا مماثل تماما ً للتحرك الروسي، حيث سيتم دعم التركمان والقوى المعارضة في سوريا، وستفرض تركيا العديد من الإجراءات الاقتصادية المماثلة لتلك الروسية المفروضة على تركيا، هذا وغيره من الإجراءات ستشهده الفترة القادمة.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس