يوسف كابلان - صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس

يتشكل حاليا عالم جديد... نمضي بسرعة نحو نهاية العالم الذي نعرفه، فنخن نعيش بداية النهاية .

غمرت البشرية قرنا من الزمان بمآسي ومذابح وعمليات غزو وتعذيب لا تصدق. ومن ثم أطلق المؤرخون الغربيون على القرن الماضي" أحلك قرن في تاريخ الإنسانية" . وقد نشرت مئات الكتب في الغرب تحمل هذا العنوان.

إما أننا سندمر أو تبعث فينا الحياة من جديد.

إذا كان قد أطلق على تلك الحقبة الزمنية أحلك قرون الإنسانية، فإن ذلك يعني أن الزمن توقف هنا ،أليس كذلك؟ وهذا يعني أن حقبة جديدة ستبدأ ، وستنطلق البشرية في مسعى جديد، وتقلع في رحلة جديدة.

وهذا يعني في إيجاز أن عالما جديدا سيتشكل.

قرن أطلق عليه أبناء من صنعوا الحضارة فيه " أحلك قرون الإنسانية"

حسنا، ولكن ما الذي يبرهن في التاريخ أن هذه الحضارة لا تزال تمجد في مجتمعات تعيش في عطلة، مجتمعات ضلت طريقها، مجتمعات أصابها الانسلاخ، تعيش دائما بعقل مستعار في عالم مستعار؟

إن الكشف الخفي لحقيقة أن العالم المستعار الذي نعيش فيه بعقول مستعارة هو الخوف من أن هذا العالم سوف ينهار يوما ما في المستقبل القريب جدا، والقلق من تجنب خسارة المنظمات والمؤسسات القائمة والنظام والآلية .

إن المجتمعات التي تعيش في عالم مستعار بعقول مستعارة ستدمر عاجلا أو آجلا، ولن يكون لديها خيار في النهاية إلا اكتشاف عالمها الخاص.

مشكلتان أساسيتان

النقطة التي أنطلق إليها من هنا بالغة الأهمية، فلما كنا لا نعيش في عالمنا الخاص، فإن لدينا مشاكل في استيعاب مشاكل العالم الذي نعرفه، وأن نرى أننا قد وصلنا إلى نهاية العالم، وحتى لو رأينا هذه النهاية، فإن لدينا مشكلة في قبول هذه الحقيقة.

ومن ثم، فإننا عاجزون عن رؤية أن هناك عالما جديدا يتشكل. وبوصفنا أبناء الحضارة التي صنعت تاريخ الإنسانية خلال القرون السبعة أو الثمانية من الألفية الأخيرة، فربما نلعب دورا رئيسا مرة أخرى في تشكيل العالم الجديد. يرى الغرب ذلك، ولهذا السبب فإنهم يضعون خططا طويلة الأجل عن الجغرافيا العثمانية. إنهم يعرفون أفضل منا أنه عندما نأتي مرة أخرى فإنهم سيرحلون، ولذلك يشعلون حلقة نار من حولنا.

ثمة مشكلتان أساسيتان فشلنا في استيعابهما بشكل صحيح في هذه النقطة.

المشكلة الأولى هي إلى أين يتجه العالم الذي نعيش فيه، والثانية هي الوسائل التي نملكها في هذه الفترة الحرجة، ولكننا لم ندركها تماما بعد، والسؤال الملح هو كيف يمكننا الاستفادة من هذه الوسائل مرة أخرى في سياق فكرة الحضارة.

بريطانيا تريد تشكيل عالم جديد من خلالنا.

دعونا نبدأ بالمشكلة الأولى : أسس البريطانيون النظام الرأسمالي العالمي الذي حدد القرنين الماضيين، وهم من وضعوا قوانينه. ومن ثم فإن خريطة العالم من صنع أيديهم.

وكما أشرت آنفا، أسس البريطانيون النظام الرأسمالي بشكل عام ،ثم الولايات المتحدة على نحو خاص جنبا إلى جنب مع اليهود . لكن بعد الحرب العالمية سيطر اليهود على الولايات المتحدة، ودفعوا كلا من بريطانيا والولايات المتحدة خارج النظام.

ومع ذلك استعاد البريطانيون عافيتهم في نصف قرن، وبدؤوا بسرعة في رسم الخرائط العالمية من خلال الجغرافيا الإسلامية الرئيسة التي يعرفونها جيدا، وبدؤوا في معركة لمعاقبة اليهود في الربع الأخير من القرن.

وعند هذه النقطة استقروا في جنوب تركيا من خلال المنظمات الإرهابية، ويقاتلون من أجل تدمير أهل السنة العمود الفقري الذي شكل ألف عام من الجغرافيا الإسلامية الرئيسة.

في البداية وضعوا الجماعات الإرهابية في مواجهة الشيعة، مما مهد الطريق لإيران: ففي السنوات الخمس والعشرين الماضية استقروا في إيران والعراق وفي سوريا الآن. وقد استقروا في منطقة الخليج، وفي شبه جزيرة سيناء وصولا إلى عمان.

هدفهم على المدى القصير تسريع الطائفية والقبلية والحروب الإثنية، وعلى المدى المتوسط رسم الخريطة السياسية والجغرافية والاستراتيجية للمنطقة، وعلى المدى الطويل وضع اللبنة الرئيسة التي تؤدي إلى صدام سني شيعي.

أما النتيجة المنشودة فهي تدمير أهل السنة العمود الفري للأمة التي بنيناها في الألف عام الماضية، وجعل الفهم السطحي والخطير للإسلام الذي يعتمد على منطق الخوارج الذي وضعت بذوره في القرنين الماضيين العمود الفقري للمجتمعات الإسلامية. الهدف في نهاية المطاف هو بناء الفوضى، ومن ثم اتخاذ وسيلة سهلة لإدارة العالم الإسلامي الذي ستنشأ فيه عشرات الدويلات الوهمية مع الشيعة من جانب ومع الخوارج من جانب آخر، ومع الاتجاهات المتطرفة التي رفعت إلى منزلة العمود الفقري للأمة في بيئة تسمح لها أن تكون في صراع مستمر.

في الماضي قسمت بريطانيا الهند، ودمرت الإمبراطورية العثمانية، وشكلت حوض الملايو، وشرق أفريقيا.

والآن هم في طريقهم إلى تمزيق كل هذه المناطق إلى قطع صغيرة. وبهذه الطريقة فإن الإسلام القوة الوحيدة التي تقاوم النظام العالمي سوف يستسلم.

والأفضلية في هذه المرحلة أن تحاصر تركيا بالضرورة من الداخل والحارج معا، وأن تلقى على شفا حرب أهلية. لم يتمكنوا من تحقيق أي نجاح فيما يتعلق بالحرب الأهلية حتى الآن، ولهذا السبب فإنهم يضيقون على تركيا من الخارج.

وأخيرا اتخذت تركيا مسارا يمكن أن يحدد التوازنات الاستراتيجية.

كررت على مدى شهور أن تركيا يجب أن تحطم الحصار. وثمة اهيار جليدي قادم نحونا، وينمو مثل كرة الثلج.

ربما لن تكسر تركيا هذا الحصار إلا باتباع استراتيجية التوازن، والطريق إلى عمل ذلك يكون بتقليل عدد الأعداء، وزيادة الحلفاء. لا ينبغي قطع العلاقة مع روسيا ومصر. نحن بحاجة إلى اتباع استراتيجية لفتح مجال متوازن، وليس التناحر مع اللاعبين الإقليميين والعالميين.

تعرضت للهجوم بسبب هذه الأمور التي قلتها. يهاجم الناس دون أن يعرفوا الصواب من الخطأ. والآن رأت تركيا خطأها، ورجعت عنه، ووصلت إلى النقطقة التي قلتها.

دعونا لا ننسى. لا يمكن للمرء أن يضبط موجة دون أن يكسر الموجة . حاولنا أولا أن نضبط الموجة. وبهذه الكيفية ارتكبنا خطأ . وحتى لو كان الوقت متأخرا فقد رجعنا عن هذا الخطأ. والحمد لله  فبمقدرونا أن نرى حقيقة الأمور.

إن اتبعنا استراتيجية السلطان عبد الحميد العبقرية، استراتيجية التوازن، فسنكون من يحدد التوازنات على المدى المتوسط والطويل. وعندما يحدث ذلك، إن شاء الله، سنلعب دورا رئيسا في تشكيل عالم جديد. 

عن الكاتب

يوسف كابلان

كاتب في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس