إسماعيل ياشا - عربي 21

نشرت صحيفة "حرِّيت" التركية على صفحتها الأولى في عددها الصادر يوم السبت الماضي تقريرا بعنوان "7 انتقادات و7 أجوبة"، ولكنها اختارت لذات التقرير في صفحتها الداخلية عنوانا مثيرا للجدل يقول: "رئاسة الأركان مستاءة". 

التقرير الذي أثار ضجة كبيرة في تركيا، قال إن هناك انتقادات ومزاعم تستهدف رئيس الأركان التركي خلوصي آكار، وتثير استياء في رئاسة الأركان. ثم ذكر تلك الانتقادات والمزاعم تحت سبعة عناوين فرعية، كما نقلت تحت كل عنوان الإجابة التي حصلت عليها الصحيفة من مصادر في رئاسة الأركان.

الانتقاد الأول الموجه لرئيس الأركان، وفقا للتقرير، حول إلغاء حظر ارتداء الحجاب في الجيش التركي. كانت وزارة الدفاع التركية قررت قبل أسبوع إلغاء الحظر المفروض على ارتداء الحجاب في صفوف المجندات في الجيش وطالبات المدارس العسكرية.

وزعمت الصحيفة أن رئاسة الأركان ردت على هذا الانتقاد قائلة إن قرار الإلغاء اتخذته وزارة الدفاع دون الرجوع إلى رئاسة الأركان لأخذ رأيها فيه. وكانت إحدى الانتقادات السبع الموجهة إلى آكار مرافقته لرئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان في بعض رحلاته الخارجية. 

التقرير في ظاهره يتناول الانتقادات التي تقول الصحيفة إنها تُوَجَّهُ إلى خلوصي آكار ورد رئاسة الأركان على تلك الانتقادات، إلا أن باطنه يوحي بأن هناك تململا في صفوف الجيش التركي وانزعاجا من سياسات الحكومة والقيادة المدنية. كما أن نشره تحت عنوان "رئاسة الأركان مستاءة" في الصفحة الداخلية أعاد إلى الأذهان عناوين سابقة كانت تدعو الجيش التركي للانقلاب على الإرادة الشعبية.

نشر هذا التقرير بهذا العنوان لم يكن عملا صحفيا بريئا، بل كان يهدف إلى إثارة الفتنة والشرخ بين الجيش والحكومة. ولذلك كانت الردود الشعبية عليه عنيفة للغاية، لأن الشعب التركي لم يعد ذاك الشعب الذي يسكت على مثل هذه الألاعيب والمؤامرات، الأمر الذي دفع صاحب مجموعة "دوغان" الإعلامية التي تملك الصحيفة إلى إقالة رئيس تحريرها، وجعله كبش فداء، لتخفيف حدة الغضب الشعبي.

رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، في المؤتمر الصحفي الذي عقده أمس الثلاثاء في مطار أتاتورك الدولي بإسطنبول قبيل مغادرته إلى باكستان للمشاركة في قمة منظمة التعاون الاقتصادي، انتقد بشدة نشر التقرير المذكور تحت ذاك العنوان، ووصفه بـ"قلة الأدب" و"الانحطاط"، مضيفا أنه لا يحق لأحد أن يثير فتنة بين مؤسسات الدولة، وأن من يحاول أن يفعل ذلك يدفع ثمنه غاليا.

رئاسة الأركان التركية بدورها أصدرت بيانا ذكرت فيه أنها أجابت عن أسئلة صحفية حول الانتقادات الموجهة إلى القوات المسلحة ورئيس الأركان، ولكن الأجوبة لم تكن تحتوي على أي عبارات من قبيل "رئاسة الأركان مستاءة"، أو "استياء في رئاسة الأركان"، أو "استياء في القوات المسلحة"، أو ما شابهها، مؤكدة أن نشر الأجوبة بأسلوب يوحي بأن هناك مشكلة بين القوات المسلحة والحكومة تضليل. 

وبعد بيان رئاسة الأركان، نشرت الصحيفة بيانا أكدت فيه أن عبارة "رئاسة الأركان مستاءة" لم تكن موجودة في الأجوبة التي حصلت عليها الصحفية من رئاسة الأركان، وأعربت عن أسفها من أن يؤدي العنوان إلى تفسير خاطئ يوحي بوجود استياء في رئاسة الأركان من الحكومة، مدَّعية بأن المقصود من العنوان هو وجود استياء من الانتقادات الموجهة إلى رئاسة الأركان، كما قالت إن نشر التقرير تحت عنوان "رئاسة الأركان مستاءة" يمكن اعتباره "خطأ تحريريا غير مقصود". 

مهما حاولت الصحيفة التنصل من مسؤولية العنوان المثير للجدل، فإن الجميع يعرف أن أرشيف صحيفة "حرَّيت" مليء بمثل هذه العناوين التي كانت في السابق يتم توظيفها في فرض الوصاية على الإرادة الشعبية، كما يعرف الإعلاميون أن هذه العناوين يتم اختيار كلماتها بدقة وبعلم مُلاك الصحيفة. وبالتالي، لا يمكن بأي حال اعتباره خطأ تحريريا غير مقصود.

هناك قراءتان لنشر صحيفة "حريت" هذا التقرير بذاك العنوان. الأولى تقول إن مجموعة "دوغان" الإعلامية التي لعبت دورا كبيرا في إسقاط حكومات وتشكيل أخرى، ما زالت تتوهم أنها قادرة على هندسة السياسة التركية، ولذلك قامت بتحريف أجوبة رئاسة الأركان، في محاولة للإيقاع بين الحكومة والقوات المسلحة. أما الثانية فترى أن هناك مجموعة من الضباط الانقلابيين في الجيش، سواء من فلول الكيان الموازي أو من الكماليين المتطرفين الذين يعتقدون بأن المجال قد فتح أمامهم بعد تصفية الضباط الموالين لجماعة كولن، وأن تلك المجموعة هي التي تقف وراء نشر التقرير بذاك العنوان.

مهما كانت دوافع ما نشرته صحيفة "حريت" فإنها ستمثل أمام القضاء الذي فتح تحقيقا حول التقرير بشبهة أنه قد تكون وراءه مجموعة انقلابية في صفوف الجيش. ولن تفلت صحيفة "حريت" هذه المرة من المحاسبة بسهولة. إما ستكشف عن هؤلاء المستائين وإما ستعترف بأنها قامت بالتحريف وارتكبت جريمة التضليل، فستدفع ثمن جريمتها. 

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس