محيي الدين أتامان - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

لتقييم مكانة تركيا في السياق الإقليمي والعالمي، سأعرف أولاً وبإيجاز مفهوم الاقتصاد الناشئ والقوة الناشئة. وسيساعدنا استخدام هذين المفهومين في تحديد دور تركيا في النظام الدولي.

يستخدم  مصطلح "الأسواق/ الاقتصادات الناشئة" لوصف البلدان النامية التي تنمو بشكل أسرع من البلدان الأخرى في العالم، فهي أكثر تطوراً من البلدان التقليدية التي تعتمد على المنتجات الزراعية أو على تصدير المواد الخام.

ولكن في المقابل فإن الأسواق الناشئة لا تفي بمعايير الاقتصاد المتقدم. فعلى الرغم من أن النمو الاقتصادي في الاقتصادات الناشئة أعلى بكثير من البلدان المتقدمة، فإن دخلها أقل بكثير.

فمن ناحية، يؤدي النمو الاقتصادي السريع في الاقتصادات الناشئة في كثير من الأحيان إلى تغير اجتماعي سريع، الأمر الذي يؤدي إلى عدم القدرة على التنبؤ وعدم الاستقرار في السياسة الداخلية. وبسبب اعتمادها على الأسواق الخارجية، فإن الأسواق الناشئة تكون عرضة لتقلبات العملة (مثل الدولار الأمريكي) وتقلبات السلع (مثل النفط). ومن ناحية أخرى، وعلى الرغم من أن الاقتصادات الناشئة لديها عدد أقل من أسواق رؤوس الأموال الناضجة ،فإنها توفر عمومًا عوائد أعلى من المتوسط ​​للمستثمرين.

أما مصطلح "القوى الناشئة / الصاعدة" فهو مصلطح يستخدم لوصف الدول التي بدأت في زيادة حضورها وتأثيرها في العلاقات الدولية. تريد هذه الدول وضعًا أكثر قوة في السياسة الدولية ودورًا أكثر نشاطًا في السياقات الإقليمية والعالمية. وهي تملك ما يكفي من الموارد الاقتصادية والمشتريات العسكرية والوزن السياسي للمشاركة في القضايا الدولية. وعندما كانت الأسواق الكبيرة في العالم غير الغربي تنمو باستمرار فوق المتوسط، بدأت القوى الناشئة في تحدي ميزان القوى العالمي الحالي، وتجبر النظام العالمي على التغيير.

ونظرا لأن التنمية الاقتصادية هي شرط مسبق للنفوذ السياسي والعسكري، فمن المتوقع أن يكون لدى القوى الناشئة اقتصاد ناشئ. وفي حين أن جميع القوى الناشئة هي أيضاً اقتصادات ناشئة، فليس كل الاقتصادات الناشئة قوى ناشئة، وبعبارة أخرى فإن التحول إلى قوة ناشئة هي خطوة أبعد من ذلك.

ظلت تركيا اقتصادًا ناشطًا لعدة عقود. وفي الآونة الأخيرة رأينا كيف  أن تركيا قد رفعت وضعها إلى قوة ناشئة. وبتعداد سكانها الكبير، واقتصادها المتنامي، وقوتها العسكرية المتصاعدة ، والدبلوماسية النشطة والهوية الوطنية القوية، زادت تركيا من انتشارها وتأثيرها على المستوى العالمي. كما زادت قدرتها واستقلالها الذاتي. ومن ثم أصبحت تتمتع تركيا بوضع القوة الناشئة، وتعد قوة عظمى محتملة.

تتخذ تركيا مبادرات إقليمية مهمة في الشرق الأوسط، وتحديدا في سوريا والعراق. وحتى وقت قريب، كان السوق التركي صغيرًا نسبيًا وضعيفًا للغاية، في حين كان تنفيذ العمليات العسكرية ضد الجماعات الإرهابية يعتمد اعتمادا كبيرا على الدعم الأجنبي. ولكن بعد تطوير صناعاتها الدفاعية، أصبحت تركيا قادرة على القيام بعمليات عسكرية ضد الشبكات الإرهابية على جبهات متعددة.

في عام 2018 واجهت تركيا العديد من التهديدات السياسية والاقتصادية من مختلف الجهات الفاعلة الدولية. ورغم ذلك بدأت عام 2018  بعملية غصن الزيتون في شمال سوريا وأنقذت منطقة عفرين من ميليشيات وحدات حماية الشعب. وفي أعقاب التحول الناجح لبنيتها الإدارية بعد الانتخابات الرئاسية، عززت تركيا نظامها السياسي الداخلي. وعلى مدار العام، نجحت تركيا في بدء مفاوضات مع دول الاتحاد الأوروبي، وبدء عملية تطبيع مع الولايات المتحدة، ونجحت في تعزيز موقفها في الأزمة السورية، وتحسين تعاونها مع دول شرق آسيا ومواصلة دورها البناء فى القارة الأفريقية. وعملت الحكومة التركية بجد لتفادي الهجمات الاقتصادية، وتمكنت في النهاية من حماية استقرار سوقها.

مع تطورها الاقتصادي المستدام وتطور صناعاتها العسكرية المعقدة، ستواصل تركيا تطوير سياستها الخارجية البناءة ومتعددة الأبعاد. وبصفتها لاعباً إقليمياً وعالمياً فاعلاً ومستقلاً، ستواصل تركيا الاضطلاع بدور بارز على المستوى الدولي. ولذلك يبدو أن عام 2019 سيمنح تركيا مزيدًا من الفرص لتعزيز وضعها كقوة ناشئة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس