كورتولوش تاييز – صحيفة أكشام – ترجمة وتحرير ترك برس

إنّ نجاح العملية العسكرية التي نفذتها القوات التركية داخل الأراضي السورية والتي تم من خلالها نقل ضريح سليمان شاه إلى مكان آخر أكثر أمناً، أخلّت موازين المعارضة التركية في الدّاخل. فقد رأينا كيف أنّ حزب الشّعب الجمهوري وحزب الحركة القومية وحزب الشعوب الدّيمقراطية ومن ورائهم الكيان الموازي الذي يتزعّمه "فتح الله غولن" عارضوا وبشدّة هذه العملية التي من خلالها استطاعت القوات التركية حماية أرواح جنودها الذين كانوا يشرفون على حراسة الضّريح.

ومن الصّعب علينا حقيقةً أن نفهم عدم تقبّل أحزاب المعارضة لهذه العملية. هل تخلّت الحكومة التركية عن أرضها الموجودة داخل الحدود السورية؟، هل سلّمت هذه القطعة التي هي ملك للدّولة التركية حسب كافة القوانين والأعراف الدّولية إلى قوى أخرى؟، لماذا تصرّ المعارضة الدّاخلية على افتعال كلّ هذه البلبلة من أجل هذه الخطوة؟. ولا ريب أنّ هذه المعارضة العمياء لا تمتّ إلى الوطنية والتّفكير بمصلحة الدّولة بصلة، لا من قريب ولا من بعيد. والسّبب الرّئيسي لهذه المعارضة، هو أنّ الحكومة التركية استطاعت بهذه الخطوة أن تسحب ورقة تنظيم الدّولة الإسلامية التي من خلالها كانت أحزاب المعارضة تمارس ضغوطاً على الحزب الحاكم في تركيا.

فأحزاب المعارضة كانت تعلّق آمالها قُبيل الانتخابات البرلمانية، على الاعتداء الذي سيأتي من قٍبل تنظيم الدّولة الإسلامية ضدّ الجنود الأتراك الذين كانوا يقومون بحماية ضريح سليمان شاه ضمن الأراضي السورية. فقد كانت هذه الأحزاب تتجهّز لافتعال الفوضى في البلاد مع قدوم خبر استشهاد الجنود الأتراك في سوريا، وذلك من أجل خلق بلبلة قبل الانتخابات، وبالتالي كانوا يخطّطون من خلال ذلك إلى تحقيق انتصارٍ في الانتخابات النيابية. لكن الحكومة التركية من خلال هذه الحملة الذّكية استطاعت سحب هذه الورقة من يد المعارضة، وبالإضافة إلى ذلك فقد كسبت الحكومة التركية بهذه الخطوة ثقة الشّعب لأنها قامت بحماية أرواح جنودها في سوريا.

وكلّنا نتذكّر كيف قامت أحزاب المعارضة الدّاخلية بالاعتراض على الخطوة التي قامت بها الحكومة التركية عندما قامت بإنقاذ الرّهائن الأتراك الذين كانوا يعملون في القنصلية التركية بمدينة الموصل العراقية والذين وقعوا أسرى بيد تنظيم داعش. فقد جاهدت الحكومة التركية حينها ولعدّة شهور من أجل إنقاذ المواطنين الأتراك، إلّا أنّ المعارضة التركية لم تتوانى عن صرف أشدّ التّصريحات المسيئة للحكومة التركية وقتها. فقد عملت قيادة حزب الشّعب الجمهوري وحزب الحركة القومية وقيادة تنظيم الكيان الموازي على إيهام الرأي العام التركي بأنّ الحكومة التركية ارتكبت خطأً من غير الممكن مسامحتها عليه.

مع العلم أنّ عملية إنقاذ الرّهائن وعملية شاه فرات الأخيرة التي جرت ضمن الأراضي السورية، تُظهران مدى قوة وفاعلية تركيا وثقلها ضمن هذه الجغرافيا. فقد استطاعت تركيا أن تبقى جزيرة للسلام ضمن بحر من الدّماء التي غمرت المنطقة منذ عام 2001.

والآن علينا أن نسأل أنفسنا، ألا يجب على المعارضة التركية أن تبارك الحكومة على هذه الخطوة بدل أن تتهجّم عليها؟ هل كان من الأفضل أن تقوم عناصر تنظيم الدّولة بمهاجمة الضريح وقتل أو أسر جنودنا المرابطين هناك؟

إنّ تركيا تجاوزت تلك المرحلة التي كانت فيها الدّولة لا تُعير أي اهتمام على أرواح مواطنيها. فحكومات حزب العدالة والتنمية رسّخت مفهوم قدسية الإنسان وجعلت من هذا المفهوم أساساً يُبنى عليه هيكلية إدارة الدّولة. ففي أيام تركيا القديمة كان الإنسان والشّعب مسخّران لخدمة الدّولة، أمّا الآن تعمل الدّولة على خدمة الإنسان والشّعب. والواضح أنّ مفهوم الدّولة عند أعضاء أحزاب المعارضة ما زال كما كان قبل عقود.

عن الكاتب

كورتولوش تاييز

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس