باسل الحاج جاسم - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

يعلم الجميع في الوقت الحالي أنه في بداية هذه الأزمة، حاولت الصين بكل الطرق إخفاء النطاق الكامل لتفشي المرض. ولكن بعد أن كشف الغطاء عن مدى فداحة الإصابات، سرعان ما بدأت الأمور تتغير.

واليوم تبذل جهود في كل مكان، من تركيا إلى روسيا وأمريكا وخارجها، للحد من تفشي الفيروس، إذ تقيد السلطات التنقل بين المدن، وتحجر أولئك الذين كانوا على اتصال بالمصابين، وتوقف السفر، وتطيل العطلات وتلغي الفعاليات الكبيرة.

وفي حين ينتشر الفيروس في جميع أنحاء العالم، يبدو أنه يتراجع في الصين، وهذا خبر بالغ الأهمية. ووفق بكين، نجحت البلاد في التغلب على الوباء. هذا ما يحدث عندما تعمل الدولة على مكافحة الفيروس على جميع المستويات. لكن لسوء حظ البلدان التي لا تستطيع فرض نسق صارم لنفس المدى الذي فرضته الصين، يبدو من المرجح أن تمتد الأزمة لمدة شهر أو أكثر.

من المستحيل عمليًا أن نصف بالكلمات حجم المأساة، إذ يستمر الفيروس في الانتشار في جميع أنحاء العالم. وبالمثل، فإن مجرد بث الإحصائيات التي تظهر عدد ضحايا "كوفيد 19" يبدو مخيفًا كما لو أننا نتحدث عن أشياء وليس عن الأشخاص.

ومع  ظهور حالات الإصابة بالفيروس في كل من البرازيل ونيوزيلندا، يبدو أن القارة القطبية الجنوبية فقط ما تزال خالية من فيروس كورونا، حيث يطرق العدو بوابة الجميع.

هل يوجد أمل؟

الخبر السار هو أن الوضع في جميع أنحاء العالم يتغير تدريجيًا. يتحول الناس من الذعر الأعمى إلى طرح أسئلة محددة حول المشكلة، يسألون: ماذا يمكنني أن أفعل؟ ماذا أطلب من حكومتي من أجل البقاء؟

عند هذه النقطة، يجب طرح سؤال رئيسي آخر: هل يمكن أن يتحول فيروس كورونا إلى شكل أكثر حدة ويصبح تهديدًا للجميع؟ هذا أمر مستحيل إلى حد ما، كما لو كان الفيروس يتحول إلى شكل أكثر حدة، ويموت الشخص المصاب، ويأخذ الفيروس معه، وبالتالي يوقف انتشاره. ومن ثم، فإن اتجاه الفيروسات هو البقاء على الجانب الأقل تفشيًا بشكل أكثر فعالية.

إن الأوبئة ليست مجرد مآسي من حيث الوفيات، بل أيضا ستار من عدم اليقين والقلق من تكاثرها، وهو ما تسبب في تحول مفاجئ في أنماط السلوك والمعتقدات. يصبح الناس أكثر تشككًا وأكثر سذاجة ولكنهم يصبحون، أولًا وقبل كل شيء، أكثر خوفًا من التواصل مع الأجانب والغرباء.

لا أحد يعرف إلى متى ستستمر جائحة "كوفيد 19"، وإذا لم يتباطأ انتشار الفيروس مع دخول نصف الكرة الشمالي إلى الربيع، فقد يضطر العالم إلى الانتظار حتى يطور لقاحًا لهذا المرض ووضعه موضع التنفيذ. أهم قضية الآن هي فعالية السلطات الصحية في كل بلد.

يؤدي إغلاق المصانع وتعليق الإنتاج إلى تعطيل سلاسل الإنتاج العالمية، وقد بدأ المصنعون في اتخاذ خطوات لتقليل اعتمادهم على البلدان النائية. يركزالخبراء الماليون حتى الآن على حساب الآثار المالية للفيروس على الصناعات الفردية. وفي حين يسود القلق مصانع السيارات من نقص المكونات، تُترك شركات المنسوجات بدون نسيج، وتُحرم متاجر السلع الفاخرة من العملاء.

الخوف على المدى الطويل

على أن قلة من الناس يفكرون بجدية في تأثير حالة عدم اليقين على الاقتصاد العالمي، ناهيك عن العواقب طويلة الأجل لوباء "كوفيد 19". سيحاول الأفراد والشركات وربما حتى الحكومات حماية أنفسهم بمساعدة عقود الطوارئ المعقدة التي تنفذ في ظل ظروف محددة، ومن السهل تخيل هيكلة منتجات مالية جديدة بطريقة تضمن الدفع لشركات صناعة السيارات، إذا تسبب الفيروس في مستوى معين من الوفيات. يمكن لهذه الأجهزة القانونية الجديدة أن تتيح المزيد من الفرص لكسب رأس المال.

من غير المستبعد أن يكون الفيروس في صالح الشعبوية الحديثة. بالنسبة إلى بعض الأمريكيين، سيكون الأصل الصيني لهذا المرض تأكيدًا آخر على اعتقادهم بأن الصين تمثل تهديدًا للعالم وأنها دولة "لا يمكن الوثوق بأن تتصرف بمسؤولية". في هذه الحالة، قد يجد الصينيون أن الإجراءات الأمريكية لمكافحة هذا الفيروس ستكون مدفوعة بالعنصرية التي تهدف إلى منع نهضة الصين، وقد ظهرت بالفعل نظريات المؤامرة. وفي حين يغرق العالم في جائحة التضليل، فإن وباء "كوفيد 19" لا يشي سوى بتغذية هذا الاتجاه.

سوف يجعل الفيروس الحياة غير طبيعية تمامًا، إذ تغذي وسائل الإعلام الفوضى. كما أن اقتصادًا غير طبيعي تمامًا تم تعيينه للعمل في ظروف استثنائية.

عن الكاتب

باسل الحاج جاسم

كاتب وإعلامي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس