د. علي حسين باكير - العرب القطرية

نقلت وسائل إعلام، الأسبوع الماضي، تصريحات على لسان وزير الدفاع اليوناني يشير فيها إلى استعداد بلاده خوض مواجهة عسكرية مع تركيا، لافتاً إلى أن الطريقة الوحيدة للتعامل مع أنقرة هي زيادة القدرات الردعية للقوات المسلحة اليونانية، قبل أن يستدرك ليقول «بعد استنفاذ كل الوسائل الدبلوماسية». ويعتبر هذا التصريح انعكاساً للسياسات اليونانية العدائية، مؤخراً، والتي تحاول أثينا من خلالها جذب الانتباه إلى اعتراضاتها المتزايدة على الدور التركي في المنطقة، لا سيما في شرق البحر المتوسط.

وتسعى اليونان في السنوات القليلة الماضية إلى تقييد قدرة تركيا في الدفاع عن حقوقها البحرية، وذلك من خلال إقامة تحالفات سياسية تهدف إلى تطويق أنقرة وعزلها شرق البحر المتوسط. وتدعي اليونان أنها تمتلك مع قبرص ما يساوي تقريباً نصف المساحة البحرية شرق البحر المتوسط، وهو ما يعكس سلوكاً توسعياً مدعوماً بموقف منحاز من قبل حلفاء اليونان الغربيين.

لطالما وقفت اليونان حجرة عثرة في وجه الجهود والمبادرات الرامية إلى حل القضايا المتنازع عليها مع تركيا شرق البحر المتوسط، لا سيما ما يتعلق منها بقضية قبرص. وفي الوقت الذي كانت أنقرة تطالب فيه بالتوصل إلى حلول سياسية تضمن مصالح الطرفين، فضلت أثينا وحليفتها قبرص (اليونانية) اتخاذ خطوات أحادية الجانب، متجاوزة بذلك حقوق العديد من الدول، من بينها تركيا وليبيا.

الاتفاق التركي - الليبي بالتحديد، والذي يضمن حقوق البلدين ضرب بمخططات اليونان عرض الحائط، وجعلها في موقع لا تُحسد عليه. تدعي أثينا على سبيل المثال حقوقاً في الجرف القاري التركي وفي ٣٩ ألف كم٢ من المساحة البحرية التابعة لليبيا، وهو ما يساوي أكثر من ثلاثة أضعاف مساحة دولة مثل لبنان.

لكن بدلاً من أن تتجه إلى التفاوض والحوار، فضلت التصعيد عن طريق نسج تحالفات وتمتين أخرى مع جهات رجعية في العالم العربي، كالأسد في سوريا، والسيسي في مصر، وحفتر في ليبيا، كما أخذت تستكشف إمكانية توظيف العداء المشترك ضد تركيا مع دول مثل الإمارات والسعودية. اليونان التي كانت بالنسبة إلى كثيرين في العالم العربي رمزاً لدعم القضية الفلسطينية وحركات التحرر ضلت الطريق منذ زمن، لتصبح اليوم مع كل ما يمثّل الاضطهاد والعنصرية والتطرف.

مما لا شك فيه أن اليونان ليست الإمبراطورية السابقة، والقليل مما لديها لا يخولها للدخول في صدام مسلح مع تركيا. التفاوض والحوار هو الحل الوحيد المتاح أمام أثينا، لكن من المحتمل أن يؤدي الدعم اللامحدود من قبل الاتحاد الأوروبي لها، علاوة على التحالف القائم مع الأنظمة العربية الرجعية، إلى انزلاق اليونان في مواجهة غير محسوبة العواقب مع تركيا.

إن الضرر الناجم عن تمتين تحالف ما، يفترض به أن يكون دولة من دول الاتحاد الأوروبي مع الأنظمة العربية الرجعية، على سمعة اليونان ومصداقية الاتحاد الأوروبي أكبر بكثير من أي مكاسب من الممكن لأثينا أن تحصل عليها. لا شك أن هزائم الأسد وحفتر الأخيرة في سوريا وليبيا معطوفة على تراجع أسعار النفط، من شأنه أن يبرد قليلاً من اندفاع الرؤوس الحامية في أثينا، لكن الأهم أن يأخذ الاتحاد الأوروبي تداعيات تحالف إحدى دوله مع الأنظمة العربية القمعية بعين الاعتبار، وأن يأخذ بزمام المبادرة ويدفع باتجاه أرضية مشتركة للحوار، بدلاً من تشجيع اليونان على الصدام، وجرّ الاتحاد الأوروبي معها ربما إلى معركة خاسرة.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس