د. محمد وجيه جمعة - خاص ترك برس

نتحدث اليوم حول الوجه المتعثر والمتوتر للعلاقات بين الجمهورية التركية والولايات المتحدة الأميركية والتي تعود أسبابها الى أكثر من أزمة طائرات F-35 ومنظومة الدفاع الجوي S 400 والدعم الأميركي لعصابة P Y D  وتبني أميركا لجماعة التنظيم الموازي FETÖ... وصولاً الى فرض عقوبات اقتصادية على تركية...

في ظل هذه الأجواء المتوترة والغيوم المتلبدة تأتي رسالة وزارة الخارجية الأميركية المرسلة لأعضاء الكونغرس الأميركي حول طلب تركية شراء طائرات F-16 جديدة وتحديث مالديها من هذه الطائرات، الرسالة من الأهمية بمكان لأنها تدعوا أعضاء الكونغرس على التعامل الإيجابي مع طلب تركيا وتبرر ذلك بنقطتين:

-بيع طائرات F-16 لتركية هو مفيد ويخدم  الأمن الوطني الأميركي .

-تزويد تركية بطائرات F-16 سيساهم في تقوية وحدة الناتو على المدى البعيد .

الطلب التركي هو عبارة عن شراء 40 طائرة F-16 جديدة و تأمين مستلزمات صيانة وتحديث 80 طائرة موجودة ضمن تشكيلات السلاح الجوي التركي .

هذه الرسالة شكّلت إحدى أهم مؤشرات بداية تبدد الغيوم السوداء في العلاقات بين تركية وأميركا ، مما أتاح للبعض إمكانية التفاؤل وانتظار المزيد في كافة الملفات .

الحرب الروسية على أوكرانيا وحدّت الناتو وأدت الى تحسين العلاقات بين أعضاء الناتو من جهة ، ومن جهة أخرى تجلى الدور المركزي لتركية على كافة الصُعُد وخاصة دبلوماسيًا ، وهذا كان جلياً في الإجتماع الأخير لوزراء خارجية الناتو في بروكسل حيث تحلق الجميع حول وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو شاكرين ، ولغة البدن لجميع المشاركين كانت تقول أكثر مما قيل .

ان تطور العلاقة ايجابياً بين تركية وأميركا ومن منظور سوري بحت له مستويين :

-الأول هو المشروع الأميركي في شرق الفرات والذي يعتمد PYD الإرهابي شريكاً ويجمّله بمسميات وشراكات محلية علها تنزع عنه صفة الاٍرهاب .

PYD وبدعم أميركي سياسي وعسكري وترويجي يحتل ثلث مساحة سورية ويستولي على الكثير من ثرواتها ، ولا يخفى على أحد مشروعهم الانفصالي ، أي تقسيم سورية والقضاء على المشروع الوطني التحرري الذي دفعنا ثمنه غالياً بدم شهدائنا وعذابات أهلنا ...المستهجن أن هذا المشروع الهدام مدعوم من اميركا . 

PYD وعلاقته مع حزب العمال الكردستاني PKK الإرهابي هو خط أحمر بالنسبة لتركية لأنها خطر على الأمن القومي التركي و على الاستقرار في المنطقة ...ومن هنا يأتي تفاؤلنا ، لأنه

لا يمكن لأي تقارب تركي أميركي دون معالجة هذا السرطان الذي يهدد وحدة سورية ...من هنا نرى هذا التقارب هو بداية نتمنى له التصاعد المطرد الذي يأتي بالخير والخلاص لسورية والسوريين .

-أما المستوى الثاني فهو من خلال العلاقة بين تركية واسرائيل ، وهنا لا بد من التأكيد بأن العلاقات التركية الأميركية كانت دائماً رهن العلاقات التركية الاسرائيلية ، وما تحسن العلاقات في الآونة الأخيرة بين تركية و أميركا واسرائيل إلا دليل على سيطرة قانون الأواني المستطرقة ...

اسرائيل استدعت كل عوامل وعناصر صناعة الفوضى في سورية بغية الحفاظ على هذا النظام الذي حافظ عليها وحمى حدودها ...لنعود الى الدور التركي الذي نريده مؤثراً على ثلاثية الأواني المستطرقة علها تخفف من سمية الدور الاسرائيلي الذي يشكل أحد أقوى المدافعين عن طاغية الشام .

تطبيع العلاقة بين الحليفين التركي والأميركي سيؤدي الى تنامي الدور الأميركي الذي لا يمكن ان يكون إلا على حساب الدور الروسي ، وانحسار الدور الروسي في سورية هو مصلحة سورية بإمتياز .

مصير الاتفاق النووي مع إيران سيكون له ارتداداته على مجال وحيّز التقارب التركي الأميركي .

جميع دول العالم أصبحت تدرك أن أميركا غير قادرة على أن تكون حليفٌ ينصف حليفه انطلاقاً من تجربتها في أفغانستان والعراق وسورية .

التقارب السعودي المصري التركي سيأتي بالجديد للشرق الأوسط و لكي يتطور وينمو ويدوم هم بحاجة الى الاستقرار في سورية .

تحالفات ومحاور دولية جديدة تفرض نفسها و من ثم تفرضها الأحداث الجسام التي تتظاهر بكوارث انسانية وقودها الانسان والكرامة الإنسانية...

نحن السوريون أخذنا نصيبنا من المأساة التي لن تنتهي ما لم نعيد حساباتنا ونعيد تشكيل حراكنا الثوري بما تقتضيه التطورات .

عن الكاتب

د. محمد وجيه جمعة

سياسي سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس