د. علي حسين باكير - عربي21

هل سيقرون بالهزيمة إن فشلوا؟

منذ مدّة يتداول في الإعلام الغربي والمراكز الأبحاث ولوبيات الضغط خاصة سؤال: "هل سيقبل أردوغان بنتيجة الانتخابات إذا فشل"؟ ويتم دس هذا السؤال في كل النقاشات المهمّة التي تجري حول الانتخابات التركية بشكل مفرط، لدرجة تدفع المستمع إلى التساؤل عن خلفية هذا السؤال والمراد فعلا من طرحه؛ هل هو للاستفسار؟ أو هو للاستعلام؟ هل هو للإيحاء بأنّ أردوغان سيخسر؟ هل هو للتشكيك في شرعية أي فوز قد يحققه الرجل في هذه الانتخابات؟ أو ربما هو لتحريض أتباعه على ألّا يقبلوا بالهزيمة في حال حصول ذلك؟ أو ماذا بالضبط؟

في لقاء مع قناة خبر ترك الأسبوع المنصرم، نقلت المضيفة هذا السؤال مباشرة إلى نائب رئيس حزب العدالة والتنمية نعمان كرتولموش، قائلة: "هل أنتم مستعدون لسيناريو الهزيمة؟ هل ستقبلون بنتائج الانتخابات إذا كانت هذه هي النتيجة؟"، فرد عليها قائلا؛ إنّ هذا السؤال يمكن توجيهه لمن شنق عدنان مندريس -أول رئيس وزراء منتخب في تاريخ تركيا الحديث-، ولمن وصف تورغوت أوزال بالعدو السمين -في إشارة إلى الانقلابيين آنذاك وبعض أعمالهم التي لقيت دعما أو ترحيبا من قبل حزب الشعب الجمهوري-. أما نحن، فنحترم قرار الشعب، وقد جئنا من خلال الديمقراطية، وسنرحل من خلالها.

المثير للاستغراب في هذا السياق، أنّ هذا السؤال لا يُسأل للطرف الآخر، أي المعارضة، علما أنّها أولى بهذا السؤال من غيرها بحكم التاريخ، والواقع.  فخلال العقدين الماضيين، دأبت المعارضة على التشكيك دوما بنتائج الانتخابات بكل الوسائل الممكنة، وبأسباب مختلقة وواهية في غالب الأحيان. ومع رفع سقف الطموحات بشكل غير عقلاني، والتضخيم الذي يجري حاليا للتوقّعات بشكل غير واقعي، وربما إيمان العديد من رؤساء وأنصار هذا التيار بالانتصار الحتمي والقطعي في الانتخابات المقبلة، حتى قبل خوضها والنظر في نتائجها، يصبح السؤال أكثر إلحاحا: هل سيقبلون بنتائج الانتخابات يا ترى ويُقرون بالهزيمة إذا فشلوا؟

لأسباب كثيرة، ليس أقلّها المغالاة في القطع بالفوز قبل خوض الانتخابات، وإقناع الناخبين بأنّ فوزهم مضمون، والحملة الإعلامية والدعائية الخارجية المصاحبة لهذا الخطاب، ينتابني شعور بأنّهم لن يقروّا بشكل سهل بالهزيمة، وقد يجرّون البلاد إلى الفوضى ويدعون الأنصار إلى النزول للشارع، بالاستناد إلى الذرائع نفسها التي يستخدمونها في كل مرّة للتشكيك بنتائج الانتخابات. لكل فريق الحق بالفوز طبعا، ولا شك أنّ هذه الانتخابات ستكون الأصعب على الإطلاق، لكن السؤال يجب أن يوجّه للطرفين، والجواب يجب أن يرتبط كذلك بسلوك الطرفين، وآمل أن أكون مخطئا فيما ذهبت إليه من احتمال إذا ما هُزموا.

التغيير لمجرد التغيير

التغيير سنّة في الحياة، وكما يُقال فدوام الحال من المُحال، لكن السؤال هو: هل نريد التغيير لمجرّد التغيير أم نريد التغيير للأفضل؟ في بعض الأحيان يُقال؛ إنّ على المرء أن يحذر ممّا يتمنى، فربما يكون التغيير للأسوأ. من الناحية المنطقية، لا أحد يتمنى لنفسه التغيير للأسوأ، لكن رغبات الناس وأحكامهم قد تكون متضاربة في كثير من الأحيان أو ضبابية أو حتى مشوشّة، كما أنّ خيارات الناس قد تُبنى على حسابات خاطئة، فيعتقد المرء أنّه يريد لنفسه الأفضل بينما يسعى بنفسه للأسوأ!

في تركيا، يعيش الناس أوضاعا صعبة من الناحية الاقتصادية منذ عدّة سنوات، وقد فاقم من الوضع تراجع مستوى المعيشة، والحروب والاقتتال في جوار تركيا الإقليمي، وموجات اللاجئين، بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية المتتالية. خلال الشهر المنصرم، دأب رئيس الجمهورية أردوغان على تذكير الناس بأنّه إن وعد وفى بوعده، فبدأ بتسليم بعض البيوت التي أعيد إعمارها نتيجة الزلزال لساكنيها، وأقر بعض الحوافز الاقتصادية والاجتماعية، وافتتح بعض المشاريع ودشّن أخرى، وركّز على منجزات البلاد الوطنية الكبرى، لا سيما من الناحية الاقتصادية (الغاز)، والدفاعية (مشاريع الدفاع الكبرى في البر والجو والبحر).

ومع ذلك، يشير البعض إلى أنّ هناك شريحة من ناس ليست مهتمة بتاتا بما يقدّمه المرشّحون من هذا الطرف أو ذاك، أو إذا كان لدى هذا الطرف أو ذاك أي مشاريع حقيقية، وإنما تريد التغيير لمجرد التغيير. سنرى قريبا إذا ما كان هناك تغيير أم لا، وإذا كان التغيير للأفضل أم للأسوأ.

حريّة التعبير باتجاه واحد فقط

يشكو كثير من المعارضين الأتراك من التراجع في مستوى الحريات العامة، ولا سيما حريّة التعبير على حدّ قولهم، علماً أنّ حملات العنصرية والكراهية التي يقومون بإثارتها ودعمها والترويج لها لم تتوقف بتاتا. ويقدّم هؤلاء أنفسهم على أنّهم الصوت الرشيد، المتحرر، الذي يدعو للحريات ويدافع عنها، وغالبا ما يعتبرون أنّ الحكومة تحتكر الصوت وتقمع من يريد التعبير عن رأي مخالف، لكن ما إن تختبر أحدهم بموقف مغاير، حتى يتبيّن لك أنّ ليس كل ما يلمع ذهبا، وأنّ الواحد منهم قمّة في التسلّط وتكميم الأفواه، ولربما شنّ حملة عليك وحرضّ الناس ضدك، لا لشيء وإنما فقط لأنّك وبشكل عقلاني قوّضت سرديّته أو كشفت زيف دعايته. إن كان الواحد منهم لا يتحمّل رأيا مُخالفا وهو خارج السلطة، فما بالك بموقفه إن تحوّل للسلطة؟ إن كان بيتك من زجاج فلا ترجم الناس بالحجارة.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس