طه كلينتش - يني شفق

انعقدت أعمال الدورة السادسة لاجتماع الجمعية العمومية للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في الدوحة والتي استمرت من 6 إلى 11 يناير/كانون الثاني، وخلال هذه الدورة ـ التي كانت غزة على رأس جدول أعمالها ـ ألقى رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، خطاباً في غاية الأهمية استغرق حوالي 40 دقيقة.

كان خطاب هنية مثيرًا للاهتمام بشكل خاص نظرًا لاحتوائه على معلومات مهمة حول خلفية عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر.

وتحدث هنية في خطابه عن ثلاثة تطورات مهمة قائلاً:

هناك ثلاث تطورات سبقت طوفان الأقصى، التطور الأول: هو تهميش القضية الفلسطينية على مستوى العالم، والمجتمع الدولي، ودوائر صناعة القرار العالمي، لم تعد تستحضر قضية فلسطين، وبدأ العالم يتعامل مع هذه القضية على أنها شأن صهيوني داخلي ويعالجها بطريقته، فلا قرارت دولية ولا مؤتمرات، حتى الحديث عن حل الدولتين لم يعد متداولاً عند صناع القرار في العالم، تهميش كامل للقضية.

والتطور الثاني: هو استلام السلطة في إسرائيل من قبل حكومة خطيرة ومتطرفة دينياً وقومياً، وضعت على رأس أولوياتها حسم معركة القدس والأقصى، وتهويد الضفة الغربية، واستمرار حصار غزة، بل والتفكير بتنفيذ مخططات التهجير لشعبنا، سواء من الضفة إلى الأردن، أو من غزة إلى مصر، وهذه الحكومة هي انعكاس لواقع التطرف الديني والقومي للمجتمع الإسرائيلي ذاته، ولذلك بدأت هذه الحكومة بتنفيذ المخططات، ورأينا ما الذي جرى في المسجد الأقصى المبارك، ورأينا ما الذي يجري في الضفة الغربية، من بناء المستوطنات وتهويد الضفة وتقطيع أوصالها وحصار غزة، غزة المحاصرة من 17 سنة، واستمرار اعتقال الآلاف من الأسرى الفلسطينيين، وكان واضحاً لدينا أن هذه الحكومة بامتداداتها داخل المجتمع الإسرائيلي ستعمل على هدم مسجد الأقصى المبارك، أو على الأقل فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على المسجد

وأما التطور الثالث الخطير: هو عملية الإنزال السياسي خلف الخطوط، من خلال التطبيع ودمج الكيان الإسرائيلي في المنطقة، والتعامل معه ككيان شرعي على حساب القضية والحقوق والثوابت، وهذا تطبيق لنظرية إسرائيلية تقول ببناء "سلام إقليمي" على حساب القضية الفلسطينية، ووصل قطار التطبيع إلى العديد من العواصم، ووصل الحديث بالتطبيع إلى عواصم مركزية في المنطقة، ولذلك نحن أمام هذه التطورات التي كانت تعني تهميش القضية عالمياً وتصفية قضية فلسطين بفعل وجود هذه الحكومة الصهيونية، ثم هذا الدخول إلى المنطقة وبناء التحالفات العسكرية والأمنية، بحيث يتواجد الكيان في قلب هذه التحالفات، وبالتأكيد فإن شعبنا الفلسطيني ومقاومتنا ـ وفي مقدمتها حماس ـ مع كل فصائل المقاومة، لا يمكنهم مجابهة واقع كهذا بالطريقة الاعتيادية والوسائل الكلاسيكية والمقاومة الدفاعية، بل بقوله الله سبحانه {ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون}. [المائدة: 23]. فكان طوفان الأقصى، هذا اليوم المجيد ليس فقط في تاريخ شعبنا بل في تاريخ الأمة، بل في تاريخ الإنسانية جمعاء.

كان الغضب واضحًا في خطاب إسماعيل هنية، خاصة عندما تحدث عن الدول التي "ركبت قطار التطبيع مع إسرائيل" ولا شك أن الرياض، عاصمة السعودية كانت على رأس قائمة هذه الدول. وبهذا تم تأكيد التحليلات السياسية التي كانت تشير إلى أن الهدف الرئيسي لعملية "طوفان الأقصى" هو منع التطبيع بين السعودية وإسرائيل. وقد أكد هنية هذا الهدف صراحةً حين قال: "نفذنا هذه العمليات لمنع التطبيع".

إن هجمات الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على غزة لم تنجح في تدمير حماس، بل على العكس تماماً جعلتها اللاعب الأقوى في المشهد السياسي الفلسطيني. فإدارة محمود عباس، التي كانت من المفترض أن تحل محل حماس، أصبحت تضعف مع كل قنبلة إسرائيلية تسقط على غزة. وحتى أنصار عباس بدأوا يشعرون بالتعاطف مع حماس، وعلى الصعيد الدولي بدأت الأوساط الأبعد عن حماس بالاعتراف بأهمية وقيمة المقاومة المسلحة ضد الاحتلال.

غداً، عندما يعلن وقف إطلاق النار، سنرى كيف ستواجه السعودية حماس، التي ساهمت في جعلها أقوى خطوةً بخطوة، فبوادر الخلاف بين الطرفين قد ظهرت بالفعل، وأصبح الصدام بينهما وشيكاً.

عن الكاتب

طه كلينتش

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس