ترك برس
رأى الكاتب والإعلامي التركي توران قشلاقجي، أن "غزة لا تتسبب في إيقاظ العالم الإسلامي فحسب، بل البشرية جمعاء، وأظهرت لنا أن الحضارة الغربية التي تحولت إلى حضارة سلاح وبارود، انهارت تماما من جميع الجوانب".
وقال قشلاقجي إن "إسرائيل ترتكب اليوم أكبر إبادة جماعية في التاريخ في غزة، بدعم مادي ومعنوي من الولايات المتحدة والدول الأوروبية. وقررت 18 دولة غربية عقد شراكة كاملة مع إسرائيل من أجل ترك الفلسطينيين يتضورون جوعا في غزة، عبر تعليق مساعداتها لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)".
وأوضح في مقال بصحيفة القدس العربي أن الغرب الذي ينادي بالديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون الدولي، يغض الطرف ويدعم قتل الأطفال والنساء والأطباء والصحافيين وقصف المستشفيات والمدارس ودور العبادة، أمام مرأى ومسمع من العالم كله. وجميع المؤسسات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، التي من المفترض أن تكون ضامنة السلام في العالم، أصبحت غير فعالة تماما، وهي مع شعوب العالم تقف متفرجة على المذبحة اللاإنسانية.
في خضم ذلك - يضيف قشلاقجي - تواصل جميع شعوب العالم المظاهرات في الشوارع منذ أشهر، وسط مشاعر من الخجل أمام هذه المأساة الإنسانية والمشاهد المروعة في غزة.
وقد كتب الصحافي البريطاني جوليان بورجر، أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تخليا عن جهود التدخل لوقف الفظائع الجماعية التي تحدث في جميع أنحاء العالم، وأن مثل هذه الأحداث بصدد التحول إلى ما هو أشبه بالأعراف على مستوى عالمي.
بدوره أكد جوناثان كوك الكاتب في صحيفة «الغارديان» البريطانية، أن المشكلة لا تكمن في «التقاعس العالمي» وإنما في الدعم المكثف الذي تقدمه الولايات المتحدة والمملكة المتحدة للفظائع الجماعية.
من جهته، وجه الكاتب البريطاني البارز ماكس بورتر، انتقادات لاذعة للدول الغربية، التي تلتزم الصمت تجاه قضية غزة. وقال بورتر، إنه لم يعد هناك مستقبل سلمي للإنسانية في ظل هذا المنطق الغربي المتوحش، مضيفا «أنتم بحاجة إلى مقاتلات F-35 لاستهداف مبنى سكني أو مدرسة أو مستشفى في منطقة صغيرة، أليس كذلك يا سادة؟».
ولفت بورتر بسخرية إلى المنطق المادي الوحشي للغرب، منتقدا خلق الدول الغربية للمآسي، ومن ثم استغلالها لتلك المآسي بمنطق الربح والانتهازية. وقال ماكس بورتر: «ألا ترون! الغرب الآن يعني الفجور بالنسبة إلى شعوب العالم. نحن لا نعِدْ بمستقبل للإنسانية! أنهوا الحرب اللاإنسانية في غزة على الفور! لقد طفح الكيل!».
الصحافي الأمريكي البارز كريس هيدجيز، قال أيضا خلال خطاب انتقد فيه الولايات المتحدة: «نحن الأمريكيون القتلة الأكثر قسوة وتأثيرا على هذا الكوكب، ولهذا السبب وحده نفرض حكمنا على مساكين العالم. هذا الأمر لا يتعلق بالديمقراطية، أو الحرية أو التحرير».
وتابع كريس هيدجيز قائلا: «إن إسرائيل والولايات المتحدة تبعثان برسالة مخيفة إلى بقية العالم. نصوص القانون الدولي والقانون الإنساني، بما في ذلك اتفاقية جنيف، هي مجرد قطع من الورق لا معنى لها. وهي لم تطبق في العراق، وليست صالحة في غزة أيضا». وذكر هيدجيز أن الرسالة التي وجهتها الولايات المتحدة وإسرائيل للعالم بهجمات غزة كانت كما يلي: «سندمر أحياءكم ومدنكم بالقنابل والصواريخ. سوف نذبح نساءكم وأطفالكم وشيوخكم ومرضاكم دون خجل. سنفرض الحصار لخلق الجوع وضمان انتشار الأمراض المعدية. يا أبناء «الأعراق الثانوية» في العالم؛ أنتم لا أهمية لكم. بالنسبة لنا، أنتم حشرات يجب القضاء عليها. نحن نمتلك كل شيء. إذا حاولتم أن تأخذوا منا أيا مما نملك، فسوف نقتلكم. ولا ندفع ثمن ذلك أبدا».
وبحسب قشلاقجي، كل ذلك أصبح يدل على أن الحضارة الغربية لم يبق لديها ما تقدمه للإنسانية سوى المرض والدمار والمذابح. لقد أهمل الغرب كل ما هو معنوي لسنوات طويلة وقدم الأشياء المادية للبشرية، وهذه الأشياء المادية أصبحت الآن تفوح منها رائحة الموت، وباتت رائحة البارود والقنابل الكيماوية والأسلحة النووية والأمراض البيولوجية أحدث المنتجات التي قدمها الغرب الحديث لشعوب العالم.
وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي أحرزته العلوم الطبيعية في الماضي، إلا أن حضارة الطاقة والآلات لم تعد تعِدْ بأي شيء للناس الذين يسعون وراء رفاهيتهم ورغباتهم. هذه الحضارة المتوحشة لا تجعل لله مكانا في عالمها الفكري، ولا تقدم للإنسانية إلا الخوف والقلق والظلام. الحضارة الغربية التي أهملت في القرون الماضية الجانب المعنوي واتجهت فقط إلى الجانب المادي للإنسان، كانت في الماضي تبشر بالأمل والمرح والمستقبل المشرق. وفي القرن الحادي والعشرين، تخلت الحضارة الغربية عن هذه الأمور أيضا.
وتابع الكاتب: لم يعد لدى الغرب شخصيات من العمالقة العظماء، مثل أوغست كونت، وسان سيمون، وماكس فيبر، ونيتشه، وسبنسر، وهيغل، وماركس، وكانط، وفرويد، ويونغ. كل هؤلاء معلقون اليوم على رفوف التاريخ الغربي المغبرة. وبالطبع لن يولي مجرم كالزعيم الصهيوني بنيامين نتنياهو، أي اهتمام بالقانون، أو السياسة، أو الفلسفة، أو علم الاجتماع، أو الديمقراطية، أو حقوق الإنسان في عالم يحكم فيه ريشي سوناك بريطانيا، وجو بايدن الولايات المتحدة، وإيمانويل ماكرون فرنسا، وفرانك – فالتر شتاينماير ألمانيا، لكن هذا الانهيار الكبير للحضارة الغربية، يعطي بشرى جديدة للإنسانية جمعاء. وكما يقال: «إن غزة لا تتسبب في إيقاظ العالم الإسلامي فحسب، بل البشرية جمعاء»، وهذا بالضبط ما نشهده في العالم الآن.
خلاصة الكلام؛ أظهرت لنا غزة أن الحضارة الغربية التي تحولت إلى حضارة سلاح وبارود، انهارت تماما من جميع الجوانب. حسنا! من الذي سينشئ حضارة جديدة قادرة على إقامة العدل والسلام ضمن النظام العالمي الذي سيعاد تشكيله في العالم؟ وهل يمكن لعالم إسلامي يدرك أهمية دينه وموارده الطبيعية وقوته البشرية أن يكون أملا ونورا ومرشدا للعالم أجمع رغم كل الأزمات التي يعاني منها؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!