ترك برس

علّق رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون، على المزاعم القائلة بوصول منتجات تركية إلى الجيش الإسرائيلي.

وقال ألطون في تصريحات لشبكة الجزيرة القطرية إن هناك بعض الجهات تقوم بحملة دعاية سوداء منظمة ضد تركيا في الساحة الدولية، ومع أن هذه الجهات لا صلة لها من قريب أو بعيد بالأزمة القائمة مع إسرائيل فإن كل همها العمل على إضعاف موقف حكومتنا وإثارة الرأي العام الداخلي ضدها، وهذه القوى تتلقى دعم زمرة من المتعاونين معها الذين يخدمون مصالحها في حملة التشهير الإعلامية هذه.

وتابع المسؤول الرئاسي التركي في رده على سؤال حول الأخبار التي تحدثت عن وصول منتجات تركية إلى الجيش الإسرائيلي:

الحقيقة أن المزاعم القائلة بوصول منتجاتنا إلى الجيش الإسرائيلي هي محض كذب وافتراء صارخ؛ فقد فضح مركز مكافحة التضليل الإعلامي التابع لدائرة الاتصال برئاستنا أن حملات التشهير وتلويث الصورة تلك إنما هي محض افتراءات كاذبة تستند إلى معلومات مغلوطة وفيديوهات ومرئيات تعود لتواريخ قديمة تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشكل خاص.

فدعك من مزاعم إرسال منتجات إلى الجيش الإسرائيلي وركز في المقابل على ما قدمته تركيا، وعلى إيصالها ما يقرب من 50 ألف طن من إمدادات المساعدات الإنسانية إلى غزة حتى هذه اللحظة.

هنا أود أن أذكّر -مرة أخرى- أولئك الذين يريدون استهداف تركيا بمعلومات مشوهة وأخبار مزيفة، وأولئك الذين أصبحوا -بعلم أو بغير علم- لعبة في يد هذه الحملة الخبيثة: إن تركيا حكومة وشعبا ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول كانت الدولة التي أبدت الموقف الأكثر شرفا والأكثر تأثيرا والأكثر صرامة على جميع المستويات إزاء جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل.

نحن مقبلون على خطوة مهمة أخرى في هذا الصدد، وكما صرح وزير خارجيتنا هاكان فيدان، ستنضم تركيا في الدعوى التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، والتي تتهمها فيها بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، حيث ستتابع تركيا هذه القضية بكل مؤسساتها وهيئاتها إلى أن يتم إثبات جرائم إسرائيل وإدانتها في المحاكم الدولي.

الجزيرة: أوقفت تركيا معاملاتها التجارية مع إسرائيل إثر العدوان على غزة، بعدما شغلت هذه القضية الرأيين العربي والتركي، فهل كان لنتائج الانتخابات البلدية تأثير في ذلك؟

ألطون: كانت إسرائيل منذ الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى وحتى وقت الإعلان الرسمي عن تأسيسها سنة 1948 تلجأ إلى أساليب وطرق مختلفة للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية. وبطبيعة الحال، كان العنف أحد هذه الأساليب، لكن بعد عام 1948 وجدناها تمادت إلى الاحتلال الممنهج.

كانت تركيا تقف دائمًا ضد إسرائيل في القضية الفلسطينية بكل ما تملك من قوة، ومنذ المسار الذي اتخذته الأحداث عام 2009، وإثر المشهد المعلوم عندما صرخ رئيس الجمهورية أمام مرأى ومسمع من كل العالم قائلا إن "إسرائيل قاتلة"، وما تلا ذلك من إدانة لكل من قابل موقفه بالتصفيق؛ وإلى الآن وتركيا لا تفتأ تفضح وبصريح العبارة وبكل وضوح مظاهر الاضطهاد والقمع التي تمارسها إسرائيل في كل المحافل والمنابر الدولية.

وبالتالي، فلن يكون من الصحيح والعادل أبدا التفريق بين موقف تركيا من القضية الفلسطينية قبل الانتخابات وبعدها، وموضوع المعاملات التجارية مع إسرائيل، مهما حاولت الدوائر الداخلية والخارجية تشويهه واستغلاله فلن تستطيع المس بالموقف المبدئي والثابت لتركيا ولزعيمنا رئيس الجمهورية تجاه هذه القضية.

إن الدعم الذي تقدمه تركيا للقضية الفلسطينية يتزايد يوما بعد يوم، ومنذ محاولات الغزو وأعمال الإبادة الجماعية التي طفقت إسرائيل في ارتكابها منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول؛ كنا في طليعة الدول التي تعمل على جعل هذه القضية على رأس جدول الأعمال في العالم.

وبناء على هذا، وجب تقدير مواقف تركيا بإزاء القضية الفلسطينية، وبشكل خاص الموقف المبدئي والإنساني الذي ما فتئ يتخذه رئيس الجمهورية السيد رجب طيب أردوغان بشأنها. ومع أنه من غير الممكن تقديم جرد كامل لكل ما قدمته تركيا في سبيل خدمة هذه القضية ولأجل غزة، فإنني أود أن أذكّر ببعض الأمور:

إن تركيا كانت -وما تزال- إحدى أكثر الدول التي تسخر كل طاقتها فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية، حيث إننا نعمل في إطار رسالتنا التاريخية النبيلة التي أخذناها على عاتقنا والمتمثلة في نصرة المظلوم في فلسطين خاصة، وفي أي منطقة من العالم.

عندما دعت محكمة العدل الدولية لإصدار رأي استشاري بشأن المسائل الأساسية المتعلقة بالعواقب القانونية المترتبة عن احتلال إسرائيل طويل الأمد والاستيطان وضمها الأرض الفلسطينية المحتلة؛ أودعنا وجهة نظرنا الكتابية في 20 يوليو/تموز 2023، وكذلك قدمنا إحاطتنا في جلسة الاستماع الشفوية التي أقامتها المحكمة  في لاهاي بتاريخ 26 فبراير/شباط 2024.

وقد بينا في إحاطتنا تلك أن جميع الإجراءات والتدابير أحادية الجانب التي تتخذها إسرائيل بهدف تغيير طابع ووضع الأراضي الفلسطينية المحتلة، ووضع مدينة القدس -بما في ذلك الأماكن المقدسة والحرم الشريف- تشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي.

أعربنا عن موقفنا الراسخ أمام المحكمة الدولية وأمام الرأي العام العالمي الذي دعونا فيه إلى وجوب إيقاف كل تلك التجاوزات والانتهاكات، وإلى إعادة الحقوق إلى أصحابها من دون أي قيد أو شرط.

في خضم ما كنا نبذله من قصارى جهودنا من أجل تحقيق وقف إطلاق النار، نظم الرئيس أردوغان لقاء جمع فيه بين قادة حركة حماس وقادة منظمة فتح لضمان أن يعمل الفاعلون الفلسطينيون بتنسيق تام وبشكل متكامل.

أطلقت دائرة الاتصال برئاسة الجمهورية ومنذ الأيام الأولى للأحداث حملة لمواجهة عمليات التضليل الإعلامي ومغالطات الأخبار الكاذبة التي كانت تبثها الدعاية الإسرائيلية.

نظمنا اجتماعا استثنائيا لوزراء الإعلام بالدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، الذي عقدناه لأول مرة في نطاق قطاع معين، حيث تم فيه التأكيد على تنسيق الخطوات التي سيتم اتخاذها بشأن التضليل الإعلامي الإسرائيلي.

ولم تفتأ تذكّر المنظمات الدولية بما نسيته وأغفلته من سياسة إسرائيل الاستعمارية الاستيطانية وحقيقة "دولة فلسطين" التي يتم تجاهلها باستمرار.

رفعت تركيا القضية الفلسطينية إلى أن جعلتها قضية مركزية للدولة، وقدمت اقتراحات للحلول الممكن اتباعها على المديين المتوسط والطويل، ولم تتردد في تحمل تبعات المسؤولية عند اقتراح آليات الضمانات الدولية لحل القضية.

وينبغي التذكير بشكل خاص بأن تركيا ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وهي تعلن رفضها وتنديدها الشديدين للجرائم التي تقترفها إسرائيل على مرأى ومسمع من العالم كله؛ فقد حشدت كل طاقتها ووسائلها ومؤسساتها وهيئاتها واستخدمت كافة القنوات الإنسانية والدبلوماسية من أجل العمل على إيقاف تلك المجازر.

الجزيرة: هل أيد الرأي العام التركي القرارات التي اتخذتها الحكومة التركية بشأن قطع المعاملات التجارية مع إسرائيل؟

ألطون: من المعلوم لدى الجميع إلى أي حد متطور كانت قد وصلت إليه علاقاتنا مع إسرائيل، وحتى السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، غير أن تركيا وقبل المذابح الشنيعة التي تعيشها غزة بوقت طويل كانت أوقفت عمليات شحن المواد التي يحتمل استخدامها في الأغراض العسكرية إلى إسرائيل.

وقد بين ما وصلت إليه الأمور مؤخرا مدى واقعية وصدق تركيا التي ذهبت إلى قطع علاقاتها التجارية مع إسرائيل في موقفها الثابت من القضية الفلسطينية وفي كل ما كان يصدر عنها من تصريحات. وبطبيعة الحال، فإن هذه القرارات ستكون لها انعكاسات تمس الرأي العام.

إن الأهمية القصوى التي يوليها شعبنا العزيز للقضية الفلسطينية هي مثال يقتدى به في العالم بأسره، فقد برهن عن تأييده الكامل لكل القرارات التي تم اتخاذها بشأن تقييد المعاملات التجارية وكذلك بشأن التوقيف الكلي لها.

وأود التأكيد على أمر بالغ الأهمية: أن تركيا هي البلد الوحيد في العالم الذي اتخذ قراره بتقييد العلاقات التجارية أول الأمر ثم بتعليقها في آخر المطاف.

فمن المعلوم أن منطقة الشرق الأوسط تتخبط منذ سنوات طويلة في مشكلة إسرائيل، وأن هذه المشكلة منذ تاريخ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 قد قفزت إلى واجهة الأحداث، فلا ينبغي لأحد أن يساوره الشك للحظة أننا في تركيا سنقف مكتوفي الأيدي إزاء هذه المشكلة، وأننا سنقوم بكل ما يمكننا القيام به في إطار هيبة الدولة لإيجاد حل لها، وللوصول إلى وضع ينصف الفلسطينيين ويرفع عنهم المظالم والاضطهاد اللذين يعانيان منه.

ولذلك، لا ينبغي لنا أن ندع هذه النقاشات المتعلقة بالمعاملات التجارية تلهينا عن هذه القضية المركزية، غير أن ما يسرنا ويثلج صدورنا أن نرى إلى أي حد يعرب الشعب التركي عما يوليه من اهتمام البالغ بغزة؛ فتطلعاته وأمانيه العالية هي انعكاس تام لما نكنه نحن أيضا من تطلعات واهتمامات.

ومن هذا المنطلق، يمكن التأكيد على أنه ليس هناك أي فرق على الإطلاق بين موقف الحكومة التركية وفي مقدمتها السيد رئيس الجمهورية وموقف الرأي العام في تركيا إزاء القضية الفلسطينية.

لذلك، وجب أولا وقبل كل شيء وضع حل للمعضلة الإسرائيلية نفسها، ثم بعد ذلك إيجاد الحلول الناجعة للمشاكل التي تسببت إسرائيل فيها.

ووجب علينا كذلك أن ننظر إلى الانتهاكات التي تمارسها إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني التي استمرت عقودا طويلة، ثم ما لبثت أن تطورت لتصل إلى مستوى محاولة تصفية تامة لشعب بأكمله.

فبعد الاعتراف بوجود هذه الحقائق وتحديدها، يكون بإمكاننا اتخاذ الخطوات الفعالة وتتبع الإستراتيجيات الكفيلة بحلها. فعندما كانت تركيا منذ البداية الأولى تقف إلى جانب الفلسطينيين المضطهدين، فقد كانت في الآن نفسه تناضل من أجل تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.

وبالتالي فكل المحاولات المغرضة الرامية إلى الإضرار بأهمية الدور الذي قامت به تركيا من خلال افتعال قضية المعاملات التجارية إنما هي جهود تسعى قبل كل شيء إلى التغطية والتستر على ما ترتكبه إسرائيل من جرائم، ومحاسبة تركيا بدل محاسبة إسرائيل على ما تقترفه؛ وهو أمر لن نسمح بحدوثه أبدا. فلابد أن تتم محاسبة إسرائيل أمام التاريخ وأمام الإنسانية والقانون على كل ما ارتكبته من جرائم وانتهاكات تخالف المبادئ والقيم الإنسانية وتخالف القانون الدولي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!