محمود الرنتيسي - نون بوست

ذكرت عدد من الصحف التركية قبل عدة أيام تقارير حول استنفار للجيش التركي على الحدود مع سوريا ولم تنقطع أخبار تحركات الجيش هناك وزيارات المسؤولين العسكريين الأتراك لتفقد جنودهم في تلك المنطقة، وتصريحات من هنا وهناك حول التدخل العسكري في سوريا

بالفعل ربما هناك تزايد في الاهتمام العسكري على الحدود من قِبل تركيا، لكن هذا الاهتمام يأتي في سياق التطورات العسكرية الأخيرة في سوريا واستياء تركيا من الحالة التي تستلم خلالها قوات حماية الشعب الكردية الأراضي بعد انسحاب داعش في كل مرة، وبمساعدة الطيران الأمريكي.

لقد شهدنا مطلع العام الحالي تدخلاً تركيًا عسكريًا مباشرًا عندما توغل الجيش التركي في عمق 30 كيلومترًا داخل الأراضي السورية من أجل نقل قبر سليمان شاه جد مؤسس الخلافة العثمانية الذي كانت تحرسه قوة تركية قوامها 40 جنديًا وفقًا للاتفاقيات سابقة مع سوريا.

وقد برر الأتراك هذا التدخل حينها بأنه إجراء وقائي للحفاظ على أرواح الجنود بعد التحذيرات التي أُثيرت حول إمكانية مهاجمتهم من قِبل مقاتلي داعش الذين كانوا على بعد مسافة قليلة منهم، كما هاجم الجيش التركي في مناسبة أخرى مروحية للنظام السوري اقتربت من الحدود التركية.

وصحيح القول بأن الجيش التركي من أقوى الجيوش في المنطقة وهو الـ 15 عالميًا من حيث الإنفاق العسكري، وتشير مصادر أخرى أن ترتيبه من حيث القوة أفضل من ذلك، كما أنه ثاني أكبر جيش في حلف الناتو بعد الولايات المتحدة، ولكن تبقى عملية تدخل الجيش خارج تركيا أمرًا مستبعدًا ما لم يشعر الأتراك بالخطر الحقيقي الوجودي.

والذي يجعلنا نؤكد هذا هو أن تركيا لا تريد الانزلاق إلى حرب مفتوحة لا تعرف دورها فيها وعواقبها، بل وتحسب حساب أن يتخلي عنها من يغريها بالدخول بالحرب؛ لذا فهي لن تتدخل إلا في إطار جهد أممي لا يغلب مصالح القوى الدولية على مصالح تركيا، وطالما أن الوضع الحالي لا يعمل إلا في نطاق الأجندة العالمية بقيادة واشنطن، فتركيا لن تدخل في مواجهات مع واشنطن خاصة في الوقت الحالي.

تمتلك تركيا 1200 كيلومتر من الحدود مع العراق وسوريا وهو ما يجعلها أكثر الجهات المجاورة تعرضًا للخطر في حال دخلت الحرب بلا حسابات ولا تأمينات كافية، حيث إن الحرب لا تعني فقط استخدام القوة والتوغل البري.

ومن جهة أخرى فإن الشعب التركي ومؤيدي حزب العدالة تحديدًا يحملون حسًّا دينيًّا تجاه قضايا العالم الإسلامي، وكذلك كراهية كبيرة لسياسات أمريكا تجاه المنطقة ولا تعتقد بسلامة نوايا واشنطن ولا ترغب في انخراط حكومتها في كل ما من شأنه أن يحقق الأهداف الأمريكية، وقد بدا واضحًا في تصريحات القادة الأتراك مؤخرًا أن ما يجري كله مخططات لتغيير خرائط المنطقة.

ربما كانت آخر الحروب التي خاضها الجيش التركي هي في قبرص عام 1974 وتلتها عملية القتال مع حزب العمال الكردستاني منذ عام 1984 وهذا له دلالات خاصة؛ فبعد مجئ العدالة والتنمية إلى الحكم سارت تركيا خطوات عريضة نحو الاستقرار والديمقراطية وتقليص دور الجيش والعسكر وهذا كله لا يعني استحالة قيام تركيا بعمل عسكري لكن احتمالات ذلك ضعيفة، إلا أن تقوم بأعمال محدودة على الحدود سواء بالقذائف المدفعية أو من خلال الطيران، لأن تركيا معنية بشكل كبير بالاستقرار.

وهذا يأتي أيضًا مع التجاذب الداخلي الذي تعيشه تركيا وقيام احتمالات توجهها لانتخابات مبكرة من جديد فضلاً عن أن تكلفة الحرب ربما تكون باهظة على دولة بها أكثر من مليوني لاجئ وعلى حدودها يقوم تنظيم داعش يوميًا بالتفجيرات والمفخخات .

ومن الأمور الأخرى المهمة أن تركيا ترى أمامها نموذجًا أسهل من سوريا بكثير وهي عاصفة الحزم السعودية في اليمن والتي لم تستطع إلى الآن إعادة الرئيس منصور أو إخراج الحوثيين من العاصمة، بل على العكس بدأ الحوثيون وقوات صالح بمهاجمة الأراضي السعودية.

عن الكاتب

محمود الرنتيسي

باحث فلسطيني في مجال العلاقات الدولية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس