ترك برس

استعرض مقال للكاتب والمحلل السياسي التركي سليمان سيفي أوغلو، قراءة تحليلية لأبعاد اللقاء الأخير بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، مسلطًا الضوء على دلالاته السياسية والإستراتيجية.

ويركز الكاتب في مقاله بصحيفة يني شفق على ثلاثة محاور رئيسية دار النقاش حولها: التهديد الإيراني وسيناريوهات الهجوم المحتمل، القضية الفلسطينية وخاصة مخطط ترحيل الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية، وأخيرًا التوتر المتصاعد بين إسرائيل وتركيا في الساحة السورية.

كما يناقش دور ترامب كوسيط محتمل في الصراع التركي–الإسرائيلي، مقابل دعمه الواضح لإسرائيل، ويستعرض توازناته الدقيقة لتجنب تفجير الأوضاع في الشرق الأوسط. وفيما يلي نص المقال:

عقد نتنياهو وترامب مؤخرًا لقاءً جديدًا، في سياق سلسلة من الاجتماعات المكثفة بينهما. وعلى الرغم من أنني لم أحص عددها، إلا أن من المعروف أنهما التقيا مرة أو مرتين حتى قبل الانتخابات. ومنذ تولي ترامب السلطة، أصبح نتنياهو الأكثر لقاءً به.

استقبل ترامب نتنياهو عند مدخل البيت الأبيض بحفاوة كبيرة. وأثناء اجتماع الوفدين حول الطاولة، بادر ترامب بمساعدته على الجلوس في مقعده في مشهد لافت. لم يكن هناك أثر للبرود أو للحدة التي كان قد أبدى مثلها تجاه بعض القادة الآخرين سابقًا، بل علت الابتسامات وجهي الزعيمين.

ولا ينبغي أن نستغرب أو نتعجب من هذا المشهد. فالعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل لم تعرف يومًا تدهورًا، بل لم تتعرض حتى لأي تعثر ملحوظ. غير أن ما يلفت النظر هذه المرة هو اجتماع أكثر السياسيين الإسرائيليين تشددًا مع أكثر القادة الأميركيين صهيونيةً.

ليس من الصعب التكهن بجدول أعمال هذه الزيارة. يبدو واضحًا أن أول وأعجل بند فيه هو إيران. فنتنياهو، بصفته الصقر الإسرائيلي، يرغب في أن تشن الولايات المتحدة، بالتعاون مع إسرائيل، هجومًا عنيفًا على إيران بأسرع وقت ممكن. ويريد من خلال هذه الضربة المسبقة تدمير المنشآت النووية الإيرانية التي قد تمنح طهران ميزة امتلاك السلاح النووي.

وتستمر الأنباء الواردة حول الاستعدادات المكثفة لاحتمال شن هجوم على إيران. وإذا حدث ذلك، فمن المؤكد أنه سيكون من أعنف القصف الجوي الذي شهده التاريخ. وهناك من يتوقع أن يتبع الهجوم عملية احتلال شامل لإيران. أما أنا، فأرى أن المرحلة الثانية لن تكون ضمن الخطة؛ بل أعتقد أن الهجوم سيقتصر على قصف مكثف لن يُبقي حجرًا على حجر في إيران، وسيدفعها إلى الاستسلام الكامل.

وفي هذه الأثناء، وردت أنباء عن قبول إيران بالجلوس إلى طاولة المفاوضات. ويبدو أن الفرس أدركوا خطورة الوضع، فتخلوا عن تعنتهم ومراوغتهم الأولية. انطلاقًا من هذا التطور، يمكننا إجراء بعض التقديرات.

فالولايات المتحدة لا ترغب في مهاجمة إيران فورًا. بل تعتقد أن التهديد الذي وجهته لها سيكون كافيًا لإخضاعها دون الحاجة إلى تكبد نفقات باهظة. ومن المرجح أن تكون المفاوضات بين ترامب ونتنياهو قد تناولت السيناريوهين معًا: شن هجوم مباشر أو انتظار نتائج المفاوضات. لكن يبدو أن النتيجة لن تختلف كثيرًا بالنسبة لإيران؛ إذ إن خسارتها أكيدة في كلتا الحالتين. وربما تسعى إيران إلى فتح باب التفاوض لتقليل كلفة الهزيمة قدر الإمكان.

أما الموضوع الثاني المطروح في لقاء ترامب ونتنياهو، فأعتقد أنه كان غزة بشكل مباشر. ومن المؤلم القول إن ترامب ونتنياهو قد توصلا إلى اتفاق تام بهذا الشأن. فقد عقدا العزم على إنهاء القضية بترحيل الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية قسرًا.

ولو قدر للبشرية أن تنتصر يومًا، وأن تظهر إرادة لإقامة نظام عالمي جديد عادل وعاقل، فسيكون من المؤكد أن يلقى كل من ترامب ونتنياهو المصير نفسه الذي لاقاه زعماء النازية والفاشية بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن للأسف، لا يبدو أن هناك أي مؤشر على ذلك في الوقت الراهن.

نفهم من تصريحات ترامب أن العنوان الثالث يرتبط بشكل مباشر وغير مباشر بتركيا. فمن الواضح جدًا أن إسرائيل مستاءة للغاية من احتمال أن تملأ تركيا الفراغ في سوريا بعد حقبة الأسد بدلًا من إيران. فقد قامت إسرائيل باحتلال كامل لهضبة الجولان، وسعت لتوسيع سيطرتها هناك عبر استغلال الدروز، وفي الشمال نرى أنها تدعم بقوة استمرار وجود تنظيم "واي بي جي" الإرهابي ضمن هيكلية ذات حكم ذاتي.

لنعبر عن الأمر بوضوح: على النقيض تمامًا من تركيا، لا تريد إسرائيل قيام دولة سورية موحدة. بل ترغب في تقسيم سوريا إلى عدة دول صغيرة، أو على الأقل إعادة هيكلتها على أساس نظام فدرالي. وبهذا الشكل، تهدف إلى صد تركيا، التي باتت تعتبرها خصمًا أشد خطرًا من إيران. كما تسعى جاهدة لمنع النظام السوري من التعاون مع تركيا عبر التلويح الدائم بتهديد الحرب الأهلية.

وأخيرًا، زادت الهجمات الإسرائيلية على القواعد الجوية التي ترغب تركيا في استخدامها من حدة التوتر. صحيح أن المسؤولين الإسرائيليين يصرحون مرارًا أنهم لا يريدون الحرب مع تركيا، غير أن من يقيم الموقف بشكل مباشر عبر مقارنة التصريحات، ويربطها بتصريحات مماثلة من الجانب التركي، قد يحكم بأن احتمالية الحرب بين تركيا وإسرائيل مستبعدة. أما أنا، فلا أدري هل ستقع الحرب أم لا، لكنني أعتقد أن هذه التصريحات، عبر مفهوم المخالفة، تشير إلى أن خطر الحرب قائم بالفعل.

فالحروب لا تنشب دائمًا بإرادة وتصميم مُسبقين. وإذا كانت تركيا وإسرائيل قد اقتربتا من بعضهما البعض في سوريا بهذا المستوى من الخصومة، فإن كل شيء قد يحدث في أي لحظة. حتى وإن لم يكن هناك رغبة في الحرب، فقد تندلع الحرب رغم ذلك. (وتجدر الإشارة إلى أن تصريحات سابقة لكل من الرئيس رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية هاكان فيدان كانت تشير إلى هذا الاحتمال).

ترامب يدرك هذا الواقع. ولهذا يتحدث بلهجة الوسيط بين إسرائيل وتركيا. ومن اللافت أنه وهو جالس بجوار "بيبي" (نتنياهو)، أمطر الرئيس التركي بالمديح بطريقته الخاصة. هناك من يقرأ هذا بشكل سطحي ويفسره على أن ترامب يحاول حماية تركيا في مواجهة إسرائيل. ولكن هؤلاء ينسون أن العلاقات التركية-الأميركية حين كان الديمقراطيون في السلطة كانت تبدو ملبدة بالغيوم دون أن تمطر، بينما في عهد الجمهوريين، كان الطقس يبدو مشمسًا ثم فجأة تعصف العواصف.

كذلك يغفل هؤلاء عن حقيقة أن جميع القرارات السلبية التي تعرضت لها تركيا في علاقاتها مع الولايات المتحدة، من العقوبات المفروضة بموجب قانون "كاتسا" إلى استبعاد تركيا من برنامج مقاتلات "F-35"، جاءت في عهد ترامب تحديدًا.

ترامب لا يريد سوى ألا تندلع أزمات خارج خطوطه الحمراء في الشرق الأوسط. ومن المؤكد أنه لا يقبل بالأطروحات الإسرائيلية التي قد تؤدي إلى فقدان تركيا كحليف. ومع ذلك، لا أشك إطلاقًا في أنه يقف إلى جانب إسرائيل ضد تركيا فيما عدا ذلك. لا أعلم، برأيكم، أليس من المحتمل أن يشمل هذا الموقف أيضًا السعي إلى "ضبط" تحركات تركيا في سوريا ضمن حدود "معقولة"؟

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!