
ترك برس
سلط تقرير للكاتب والإعلامي التركي عبد الله مراد أوغلو، بصحيفة يني شفق، الضوء على التحولات الأخيرة في السياسة الدفاعية الأمريكية في ظل إدارة دونالد ترامب.
وتناول التقرير التناقض بين وعود ترامب السابقة بتقليص الإنفاق العسكري، والإعلان الأخير عن ميزانية دفاعية قياسية تبلغ تريليون دولار لعام 2026.
كما استعرض دور إيلون ماسك، الذي تولّى رئاسة "وزارة كفاءة الحكومة" الاستشارية، في النقاش حول خفض الإنفاق الفيدرالي، قبل أن تتجه الأمور نحو تعزيز الميزانية العسكرية بشكل غير مسبوق.
ويكشف التقرير عن تداخل المصالح بين شركات التكنولوجيا الكبرى مثل "سبيس إكس" و"بالانتير" و"أندريل" والمجمّع الصناعي العسكري، مشيراً إلى تصاعد نفوذ "التيار التكنو-ليبرالي" في صياغة السياسات الدفاعية، وإعادة تشكيل خارطة القوى داخل المنظومة الأمنية الأمريكية.
وفيما يلي نص التقرير:
قبل شهرين، كانت وسائل الإعلام الأمريكية تتداول أنباءً تفيد بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أصدر تعليمات بالتحضير لإجراء تخفيضات في "ميزانية الدفاع". وكانت هذه التخفيضات في الميزانية العسكرية جزءاً من خطة ترامب للحد من الإنفاق الفيدرالي. وأفادت التقارير أن ترامب طلب من وزير الدفاع بيت هيغسث البدء بالعمل على تحقيق "توفير بنسبة 8%" في ميزانية الدفاع لعام 2026.
ولأجل تحديد مجالات التوفير في الإنفاق الفيدرالي، وضع ترامب على رأس "وزارة كفاءة الحكومة" ذات الطابع الاستشاري – وهي هيئة أنشئت لهذا الغرض – أغنى رجل في العالم، إيلون ماسك. وفي مقال مشترك نُشر في صحيفة "وول ستريت جورنال" بتاريخ 20 نوفمبر 2024، تعهد كل من ماسك ورئيسها المشارك فيفك راماسوامي بتقليص الإنفاق الفيدرالي بمقدار تريليوني دولار. وانتقد ماسك وراماسوامي عدم خضوع نفقات البنتاغون للمراجعة، وأكدا أن التخفيضات ستشمل الميزانية العسكرية أيضاً.
وقد تلقى ماسك دعماً حاراً من السيناتور الديمقراطي الاشتراكي بيرني ساندرز. أما النائب الديمقراطي رو خانا، أحد رموز الجناح التقدمي اليساري داخل الكونغرس الأمريكي، فقال في منشور له عبر منصة "إكس" إن هناك العديد من النواب الديمقراطيين المستعدين للعمل مع ماسك ضمن لجنة الخدمات المسلحة. وقد ردّ ماسك على منشوره قائلاً: "رائع!"
لكن الوقت يمرّ سريعاً. ففي الأسبوع الأول من هذا الشهر، أعلن ترامب – عقب لقائه مع "جزّار غزة" نتنياهو في البيت الأبيض – أن ميزانية الدفاع لعام 2026 ستبلغ "تريليون دولار". وهو رقم يزيد بمئة مليار دولار عن ميزانية الدفاع لعام 2025، ما يعني أن هناك زيادة بنسبة 12% مقارنة بالعام السابق.
وفي الولايات المتحدة، تُثار كل عام نقاشات حول ضرورة تقليص ميزانية الدفاع، لكنها غالباً ما تنتهي إلى التوافق بين الحزبين، لتتبخر تلك النقاشات وتُرفع الأرقام، ويتم اعتماد الميزانية العسكرية بسهولة. ومثل كل مرة، يحصل "المجمّع الصناعي العسكري الأمريكي" – الذي يتغذى من "الحروب التي لا تنتهي" – على ما يريد من ميزانيات.
فبفضل لوبياته ومراكزه البحثية الشكلية وصلاته بالإعلام والكونغرس، يُعدّ "المجمّع الصناعي العسكري" أقوى حزب فعلي في الولايات المتحدة. وكان الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور قد حذّر الشعب الأمريكي في "خطاب الوداع" عام 1961 من المخاطر التي قد تترتب مستقبلاً على النفوذ السياسي لهذا المجمع المتغلغل في المؤسسات الفيدرالية والمحلية. غير أن هذا التحذير لم يكن له أي تأثير سوى كونه بات يُستذكر بوصفه "خطاباً تاريخياً".
وستكون الميزانية العسكرية البالغة تريليون دولار هي الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية. ويشير بعض محللي الدفاع إلى أن الرقم الحقيقي قد يصل إلى تريليوني دولار إذا ما أُضيفت إليه النفقات ذات الطابع العسكري الموزعة على موازنات وزارات أخرى. وهذه الميزانية الضخمة تتعارض بطبيعة الحال مع وعود ترامب السابقة بـ"إنهاء الحروب التي لا تنتهي".
واللافت أن إيلون ماسك، الذي سبق له الاعتراض على الرسوم الجمركية، لم يُبدِ أي اعتراض على الميزانية العسكرية التي تبلغ تريليون دولار. كما أن تعهده السابق بتقليص الإنفاق الفيدرالي بمقدار تريليوني دولار لم يتحقق. فقد خفض هذا الوعد أولاً إلى تريليون، ثم إلى 150 مليار دولار.
أما السؤال المحوري الآن، فهو من أين سيتم اقتطاع هذه الزيادة في الميزانية العسكرية ضمن الإنفاق العام؟ بعض الجمهوريين داخل الكونغرس الأمريكي أعلنوا أنهم سيعارضون أي تخفيضات تطال النفقات الاجتماعية المخصصة للأسر ذات الدخل المنخفض.
ومن الأمور اللافتة الأخرى أن توقيت إعلان ترامب عن ميزانية دفاعية بقيمة تريليون دولار تزامن مع توقيع البنتاغون عقداً بنحو 6 مليارات دولار مع شركة "سبيس إكس" التي يملكها ماسك. وفي خبر أوردته وكالة "رويترز" قبل يومين، تم الكشف عن أن شركة "سبيس إكس" وشريكيها يُعدّون من أبرز المرشحين لمشروع "القبة الذهبية"، وهو درع صاروخي دفاعي أعلن عنه ترامب.
أما الشريكان الآخران لـ"سبيس إكس"، فهما شركة "بالانتير" المتخصصة في برمجيات أنظمة الصواريخ والأقمار الصناعية، وشركة "أندريل" المختصة بصناعة الطائرات المسيّرة. ويُعرف عن رئيس "بالانتير"، بيتر ثيل، علاقته الوثيقة بنائب الرئيس الأمريكي جاي دي فانس، كما أن الشركة تتعامل مع وزارة الدفاع الإسرائيلية. وتُعتبر إسرائيل بمثابة "معرض حي للتجارب القتالية" لعملاء المجمع الصناعي العسكري الأمريكي.
ومن الواضح أن الجدل الدائر حول ميزانية الدفاع الأمريكية لا يتعلق بالتوفير بقدر ما يتعلق بتحديد الجهات والقطاعات التي ستُضخ إليها الأموال. فالقضية الأساسية تبدو أشبه بصراع بين "التيار التكنو-ليبرالي" الصاعد الذي يتجه نحو الصناعات العسكرية، وبين المجمع الصناعي العسكري الأمريكي التقليدي الذي يسعى لاستيعاب هذا التيار ضمن بنيته.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!