
ترك برس
تناول مقال للكاتب والمفكر التركي سلجوق تورك يلماز، جذور المشروع الاستعماري الغربي في قلب العالم الإسلامي، حيث صُمِّمت إسرائيل لتكون وكيلًا استعماريًا يخدم مصالح بريطانيا والولايات المتحدة وبدعم أوروبي، خاصة من ألمانيا.
يناقش الكاتب في مقاله بصحيفة يني شفق كيف استُخدمت الأساطير المنسوبة لتفوق إسرائيل واليهود في إعادة تشكيل المجتمعات المسلمة والتأثير على سياساتها، كما في تجربة تركيا خلال انقلاب 28 فبراير وتنظيم غولن الإرهابي. ويبين أن الصراع الحقيقي ليس بين العلمانية ومعارضيها، بل بين الهياكل التابعة للغرب والفكر الوطني المحلي.
يؤكد الكاتب أن أحداث كبرى مثل 15 يوليو 2016 في تركيا و7 أكتوبر 2023 في فلسطين شكّلت لحظات فاصلة هزّت التوازنات التي سادت منذ قرنين، وكشفت ملامح إمبريالية جديدة يعاد رسمها اليوم. وفيما يلي نص المقال:
لقد أنشأت كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل كوكيل استعماري في قلب العالم الإسلامي. وقد حظيت هذه البنية الجديدة، بدعم دائم من العديد من الدول الأوروبية، وعلى رأسها ألمانيا. ومن رحم هذه العلاقة نشأت العديد من الصفات المنسوبة لإسرائيل. وقد لعبت صفات التفوق المنسوبة لإسرائيل ولليهود دورًا مهمًا في زعزعة استقرار العالم الإسلامي. ومن أبرز نتائج ذلك استعمار العقول. وأقرب مثال على ذلك ما ظهر في عملية 28 فبراير في تركيا، حيث بذل أصحاب النفوذ في تلك الفترة كل ما في وسعهم لإعادة تشكيل تركيا بما يتوافق مع المطالب الإسرائيلية.
وبالنظر إلى الوراء، تبدو محاولة إعادة تشكيل دولة بأكملها بناءً على مطالب كيان تابع مثل إسرائيل أمرًا مهينًا ومخزيًا. ولكن أصحاب النفوذ آنذاك كانوا يدركون أن القوى الكامنة وراء هذا الكيان كانت تسعى إلى إقامة نظام جديد يتمحور حول إسرائيل. ولهذا السبب، ولذلك، مُنحت إسرائيل أهمية مفرطة. وبرزت الأساطير المنسوجة حولها بشكل أكبر في تلك الفترة. وفي تلك الحقبة، بذلت بريطانيا والولايات المتحدة كل ما في وسعهما لإنشاء "أوروبا جديدة" في قلب العالم الإسلامي. وهو ما شكّل بالنسبة لهما مخاطرة كبيرة بلا شك.
إن كلمة "مخاطرة" لها نطاق واسع. فالتوازن الذي أُرسِيَ بعد الحرب العالمية الأولى كان يصب في صالح أوروبا والولايات المتحدة، وكان تأثير هذا التوازن على عقولنا واضحًا جدًا. ولا شك أن هذا التوازن اكتمل بتفكك الأراضي العثمانية في الحرب العالمية الأولى. لقد تشكل وعينا الفكري في القرن التاسع عشر وفق الأيديولوجيات الغربية في القرن التاسع عشر، وبحلول القرن العشرين ابتعدنا عن العالم الإسلامي، وأصبحت أوروبا مركزًا لجميع المؤسسات والتنظيمات. أما حرب الخليج الأولى، فكان هدفها دفع هذا التوازن إلى أبعد من ذلك. لقد سعوا إلى ضمان أمن إسرائيل، ولكن هذا يعني مرة أخرى عالمًا محوره أوروبا والولايات المتحدة، كما كان في الماضي.
وعندما نحصر الفاعلين في المنطقة المركزية في موقف سلبي، لا يمكننا فهم سبب الحاجة إلى فترات الغزو والاحتلال الجديدة. ومن هذا المنطلق، تعتبر كلمة "مخاطرة" ذات أهمية بالغة. ففي ثمانينيات القرن الماضي، أشار النجاح الذي حققته الحركات الوطنية على مستوى الأحزاب السياسية إلى وجود "صحوة شعبية" واسعة. ولكن من الواضح أن القوى الغربية، بقيادة بريطانيا والولايات المتحدة، سعت إلى وقف هذا المسار، وقد نجحت في ذلك من خلال عمليات الغزو والاحتلال التي استمرت حوالي خمسة وعشرين عامًا. لقد خاطروا ولكن حققوا أهدافهم.
لا أعتقد أن قضية تنظيم "غولن" الإرهابي قد نالت ما تستحقه من نقاش وجدل، فتنظيم "غولن" الإرهابي يعد اليوم الهيكل الاستعماري الأكثر نفوذًا في تركيا والذي يمثل بريطانيا والولايات المتحدة ويتحدث باسمهما. ولا يمكننا إنكار وجود هياكل مماثلة في قلب العالم الإسلامي. إن استغلال هذا الكيان للقيم الإسلامية ليس بالأمر المفاجئ. فقد ظهرت هياكل مشابهة على مدى مئتي عام من تاريخنا. ولقد لعب تنظيم "غولن" الإرهابي، بصفته كيانًا استعماريًا جديدًا، دورًا كبيرًا في استمرار التوازن بين الشرق والغرب لصالح الغرب. لم ينشأ هذا التنظيم من صميم التاريخ الثقافي الإسلامي، ويجب أن نجري تحليلاتنا في هذا الإطار.
والجدير بالذكر أن من يسعى اليوم لإحياء التوتر بين العلمانية والمعاداة للعلمانية في تركيا، يفسح المجال عمدًا أو عن غير قصد لمثل هذه الهياكل. ويكمن التوتر الحقيقي اليوم بين الهياكل التي تُدار تحت نفوذ بريطانيا والولايات المتحدة وبين الفكر المحلي والوطني، ومن هذا المنطلق، يجب أن نولي أهمية كبيرة للتغيير الكبير الذي حدث في 15 يوليو 2016. ومن الأهمية بمكان أن ندرك أن أهم آثار هذا اليوم كانت أكثر وضوحًا في أماكن بعيدة مثل سوريا وليبيا وأذربيجان. ويجب أيضًا وضع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان في هذا الإطار، ويعد تنظيم "غولن" الإرهابي جزءًا من هذا السياق.
لقد واجه العالم الأنجلوسكسوني وضعًا بالغ الخطورة بعد 7 أكتوبر 2023. وهل كانت تتخيل حماس أن خطوتها، التي تعد من أكثر الخطوات تأثيرًا في تاريخ حرب التحرير الفلسطينية، ستقوض تاريخ مئتي عام من التوازن بين الشرق والغرب. ومن الصعب التنبؤ بما كان سيحدث لو أن النخب في الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا توقعت مثل هذه المقاومة الهائلة. ومع ذلك، يجب استثناء ألمانيا، إذ أنها حتى الآن المستفيد الوحيد من هذه الإبادة الجماعية تقريبًا. فقد أعادت النخبة الألمانية إحياء النظرة العالمية القائمة على التفوق العرقي، بينما فقد اليهود إيمانهم بتفوقهم بشكل نهائي. أما بريطانيا، فقد عادت إلى الساحة الدولية بتاريخها "المشؤوم"، ومن ثم فإن العودة إلى الوراء أصبحت شبه مستحيلة. هذه المرحلة الجديدة تهم العالم بأسره، لأنها تحمل رموز ومفاتيح الإمبريالية الجديدة ضمن سياقها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!