ترك برس

استعرض مقال بصحيفة يني شفق للكاتب والخبير الاستراتيجي يحيى بستان، تفاصيل جديدة حول اجتماعين مهمين جمعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الأميركي دونالد ترامب، أحدهما على طاولة مناقشات ملف غزة والآخر في البيت الأبيض.

ويعرض بستان ملامح خطة أميركية من 21 بنداً لمعالجة الوضع في غزة، بما في ذلك نزع سلاح حماس، مصير عناصرها، مستقبل الحكم الفلسطيني، وإمكانية نشر قوات دولية تشارك فيها دول إقليمية بينها تركيا.

كما يتطرق إلى أبعاد العلاقات التركية الأميركية، من ملفات العقوبات و"إف-35" وبنك خلق، إلى الموقف من قسد والملف السوري، مشيراً إلى عودة أجواء التطبيع بين أنقرة وواشنطن رغم استمرار الخلافات الاستراتيجية. وفيما يلي نص المقال:

في المقال السابق، أشرت إلى متابعتي الدقيقة لاجتماع غزة الذي جَمَع الرئيس الأمريكي ترامب والرئيس التركي أردوغان على طاولة واحدة، وكذلك اللقاء الثنائي بينهما في البيت الأبيض. وقدّمتُ آنذاك بعض المعلومات عن الاجتماع الأول، لكن ثمة تفاصيل جديدة تستحق العرض. في هذا المقال، سأتعمق في خلفية القمتين، وأسلط الضوء على بعض الجوانب التي لم تصل إلى الرأي العام.

ولنبدأ بخطة الرئيس الأمريكي ترامب بشأن غزة. تسربت إلى وسائل الإعلام تقارير تفيد بأن ترامب قدم خطة من 21 بندًا للقادة خلال ذلك الاجتماع. وربما اطلعتُم على تفاصيلها، ويبدو ترامب متفائلاً بناءً على تصريحاته. وقد التقى نتنياهو مساء أمس، وأفادت الصحافة الإسرائيلية أن نتنياهو سيقدم مقترحات لتعديل الخطة. علينا أن نأخذ في الحسبان قدرة رئيس الوزراء الإسرائيلي على التأثير في ترامب، مما ينذر باحتمالية إفشال الخطة). دعونا نلخص بإيجاز العناصر التي لم يشر إليها النص:

أين سيعيش أعضاء حماس؟

أولاً: تقول الولايات المتحدة إن القضية الفلسطينية الإسرائيلية مشكلة مستعصية منذ قرون، ويصعب علينا حلها. ولذلك تقترح أن تركّز هذه الخطة على غزة وليس على جميع فلسطين.

ثانيًا: لكن السعودية قالت: "إذا أردتم استمرار اتفاقيات إبراهيم فلا بد من وقف الإبادة، والإعلان عن إرادة سياسية لحل الدولتين". والمادة العشرون من الخطة تمثل هذا الإعلان، لكنها غير ملزمة.

ثالثًا: تُطالب الخطة بأن تتخلى حماس عن سلاحها، وقد أبدت حماس موقفًا إيجابيًا. ويُقترح منح عفو لأفراد الحركة الذين يتخلون عن السلاح، على أن يغادروا غزة. عندها ستدخل دول ثالثة على الخط. فقطر لا تميل إلى تحمّل مزيد من المسؤوليات. وإذا تم التوصل إلى اتفاق، فقد يستقر أعضاء حماس في تركيا أو السعودية. لكن قيادة الحركة تخشى من تعرّض أعضائها لعمليات اغتيال في الدول الثالثة. وفي حال إبرام الاتفاق، ستجد تل أبيب نفسها مضطرة إلى القبول بهذا الشرط. وفي هذا الصدد، ثمة اعتراض مهم لدى أنقرة: "لا بد من إقامة الدولة الفلسطينية أولاً، ثم تُسلِّم حماس سلاحها لتلك الدولة."

من سيحكم فلسطين؟

رابعًا: وفقًا للخطة، سينتهي الاحتلال في غزة، وسيُشكَّل مجلس وزراء تكنوقراطي، مع إجراء إصلاحات في السلطة الفلسطينية. ولا ترغب الولايات المتحدة في استمرار محمود عباس، وقد يُطرح في المستقبل اسم حسين الشيخ، نائب عباس. أما الإمارات، فكما هو الحال منذ سنوات، تدفع باسم محمد دحلان. ومع ذلك، تشير الدراسات الميدانية إلى أن الفلسطينيين يفضلون أن يكون مروان البرغوثي، المعتقل في السجون الإسرائيلية، قائدًا لهم.

هل سيرسل الجيش التركي إلى غزة؟

خامسًا: لن يكون هناك جيش فلسطيني بل قوة شرطة، كما سيتم نشر قوات دولية لضمان أمن الحدود في المنطقة. وتشير الخطة إلى أن عناصر عسكرية من تركيا ومصر والسعودية وقطر وباكستان قد تشارك في ضمان الأمن بغزة. ومن المتوقع أن إسرائيل لن ترغب بوجود الجيش التركي في غزة، وقد تُظهر رد فعل على غرار: "بينما أحاول الوصول إلى حدود تركيا، لا يمكنهم الاقتراب من حديقتي الخلفية". في المقابل، نعلم أن أنقرة ترغب في التواجد هناك لضمان الأمن والاستقرار في غزة.

سادسًا: كان مخطط واشنطن وتل أبيب إخلاء غزة بالكامل وإعادة إعمارها، ولكن يبدو أن ترامب تراجع عن ذلك. لن يُجبر أحد على مغادرة غزة، وأنقرة لم تكن تؤيد خروج الفلسطينيين من غزة إلا المرضى والجرحى، إذ كان ذلك يعني فقدان غزة إلى الأبد من أيدي الفلسطينيين.

انحراف القطار عن مساره في الغرفة الحمراء

لنواصل الحديث عن قمة أردوغان وترامب، لقد خرجت العلاقات التركية الأمريكية عن مسارها عام 2013، عقب الاجتماع الذي عُقد في الغرفة الحمراء مع أوباما. والآن تعود العلاقات إلى أجواء التطبيع. ولم تبدأ هذه العملية مع ترامب؛ بل تعود إلى العام الأخير من ولاية بايدن، في مارس 2024. ومع ذلك، لا يعني هذا الزخم أن العلاقات في مأمن من توترات مستقبلية، فالمصالح قد تلتقي في جوانب وتتصادم في أخرى. وإذا التزمت واشنطن بنهج "التواصل المباشر" الذي أسسته، يمكن إدارة الخلافات. ولكن لا يمكن توقع أن تتخلى تركيا عن سعيها لتكون فاعلاً في عالم متعدد الأقطاب. فأنقرة لا تستطيع ربط مصالحها الاستراتيجية بأي من الولايات المتحدة أو روسيا أو الصين.

الأجواء إيجابية في سوريا

لقد كُتب الكثير عن لقاء أردوغان وترامب. دعونا نسلط الضوء على بعض النقاط الرئيسية:

أولًا: قضية مدرسة اللاهوت في "هالكي" ليست جزءًا من العلاقات التركية الأمريكية، بل هي جزء من علاقة تركيا بمواطنيها من غير المسلمين. كما تمس من جانب آخر العلاقات التركية اليونانية، إذ ترغب أنقرة أثناء أخذها مطالب مواطنيها بعين الاعتبار، في أن تتخذ اليونان خطوات ملموسة تجاه الأقلية المسلمة التركية.

ثانيًا: لا يوجد ضغط بخصوص النفط الروسي، بل ثمة توقعات. فبعد التوترات مع موسكو، قررت أنقرة تنويع مصادر الطاقة الخاصة بها، ولا أعتقد أنها ستربط نفسها بمصدر واحد في العقود القادمة. وإذا كانت لدى الأمريكيين مثل هذه التوقعات، فهم مخطئون.

ثالثاً: كانت قضيتا بنك خلق (Halkbank)، وقانون قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (CAATSA) مهمتين. وقد علمت أن ترامب أصدر تعليمات لفريقه بـ "معالجة هاتين القضيتين". ومن الصعب أيضاً مناقشة التعاون في مجال الطائرات F-35 والصناعات الدفاعية الأخرى دون رفع عقوبات (CAATSA).

رابعاً: الأجواء إيجابية بشأن قسد والملف السوري. ويرى الأمريكيون أن قسد يمكن أن تندمج سلمياً مع نظام دمشق. ويرغب النظام السوري بالانتظار حتى انقضاء المهلة الممنوحة لقسد حتى نهاية العام. ويبدو أن دمشق تراهن على أن أي اتفاق مع إسرائيل سيؤدي إلى تضييق الخناق على قسد.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!